والشاميّ.
ثم إن هذه السبعة الأقاليم المعمورة ، تنقسم من شرقيّها وغربيّها بنصفين : فنصفها الغربي في وسطه البحر الرّوميّ ، وفي النصف الشرقي من جانبه الجنوبي البحر الهندي ، وكان هذا النصف الغربيّ أقل عمارة من النصف الشرقي ، لأن البحر الرّوميّ المتوسط فيه ، انفسح في انسياحه ، فغمر الكثير من أرضه. والجانب الجنوبيّ منه قليل العمارة لشدّة الحرّ ، فالعمران فيه من جانب الشّمال فقط ، والنصف الشّرقي عمرانه أكثر بكثير ، لأنه لا بحر في وسطه يزاحم. وجانبه الجنوبي فيه البحر الهنديّ ، وهو متّسع جدّا ، فلطف الهواء فيه بمجاورة الماء ، وعدّل مزاجه للتّكوين ، فصارت أقاليمه كلّها قابلة للعمارة ، فكثر عمرانه. وكان مبدأ هذا العمران في العالم ، من لدن آدم صلوات الله عليه ، وتناسل ولده أولا في ذلك النصف الشرقيّ ، وبادت تلك الأمم ما بينه وبين نوح ، ولم نعلم شيئا من أخبارها ، لأن الكتب الإلهية لم يرد علينا فيها إلا أخبار نوح وبنيه ، وأما ما قبل نوح فلم نعرف شيئا من أخباره ، وأقدم الكتب المنزلة المتداولة بين أيدينا التوراة ، وليس فيها من أخبار تلك الأجيال شيء ، ولا سبيل إلى اتصال الأخبار القديمة إلا بالوحي ، وأما الأخبار فهي تدرس بدروس أهلها.
واتفق النّسّابون على أن النسل كلّه منحصر في بني نوح ، وفي ثلاثة من ولده ، وهم سام ، وحام ، ويافث ، فمن سام : العرب ، والعبرانيّون ، والسّبائيون ، (١) ومن حام : القبط والكنعانيّون ، والبربر ، والسّودان ، ومن يافث : التّرك ، والروم ، والخزر ، (٢) والفرس ، والدّيلم ، والجيل.
ولا أدري كيف صحّ انحصار النّسب في هؤلاء الثلاثة عند النّسّابين ، أمن النقل؟ وهو بعيد كما قدّمناه ، أو هو رأي تفرّع لهم من انقسام جماعة المعمور ، فجعلوا شعوب
__________________
(١) كذا في الأصلين. ولعل الصواب : «السريانيون».
(٢) ضبطه ابن خلدون بفتح الخاء والزاي ؛ وفي «تثقيف اللسان» لأبي جعفر عمر بن مكي الصقلي (ورقة ٣٣ نسخة مراد ملة): «... ويقولون لقبيلة من الترك الخزر والصواب الخزر بالإسكان ، ويقال إنهم سموا بذلك لخزر أعينهم» أي ضيقها.