كلّ جهة لأهل نسب واحد يشتركون فيه ، فجعلوا الجنوب لبني سام ، والمغرب لبني حام ، والشمال لبني يافث. إلّا أنّه المتناقل بين النّسّابة في العالم ، كما قلناه ، فلنعتمده ونقول : أول من ملك الأرض من نسل نوح عليهالسلام ، النّمرود بن كنعان بن كوش ، بن حام ووقع ذكره في التوراة. وملك بعده عابر بن شالخ الذي ينسب إليه العبرانيون والسريانيون ، وهمالنّبط ، وكانت لهم الدّولة العظيمة ، وهم ملوك بابل ، من نبيط بن أشّور بن سام ، وقيل نبيط بن ماش بن إرم ، وهم ملوك الأرض بعد الطوفان على ما قاله المسعودي. وغلبهم الفرس على بابل ، وما كان في أيديهم من الأرض ، وكانت يومئذ في العالم دولتان عظيمتان ، لملوك بابل هؤلاء ، وللقبط بمصر : هذه في المغرب والأخرى في المشرق ، وكانوا ينتحلون الأعمال السحرية ، ويعوّلون عليها في كثير من أعمالهم ، وبرابي مصر ، (١) وفلاحة ابن وحشية ، (٢) يشهدان بذلك. فلما غلب الفرس على بابل ، استقلّ لهم ملك المشرق ، وجاء موسى ـ صلوات الله عليه ـ بالشريعة الأوليّة ، وحرّم السّحر وطرقه ، وغلب الله له القبط بإغراق فرعون وقومه ، ثم ملك بنو إسرائيل الشّام ، واختطوا بيت المقدس ، وظهر الروم في ناحية الشمال والمغرب ، فغلبوا الفرس الأولى على ملكهم. وملك ذو القرنين الإسكندر ما كان بأيديهم ، ثم صار ملك الفرس بالمشرق إلى ملوكهم السّاسانية ، وملك بني (٣) يونان بالشام والمغرب إلى القياصرة ، كما ذكرنا ذلك كلّه من قبل. وأصبحت الدولتان عظيمتين ، وانتظمتا العالم بما فيه. ونازع التّرك
__________________
(١) كان القدماء يعتقدون أن الرسوم التي توجد على البرابي ، والمعابد المصرية القديمة ، ليست إلا طلاسم ، وأوفاقا ، نقشت على جدرانها ليكون لها مفعول سحري معين. وانظر خطط المقريزي ١ / ٤٨ طبع مصر ، معجم البلدان «برابي».
(٢) في كتاب «علم الفلك ـ تاريخه عند العرب» لنلينو ، ص ٢٠٥ ـ ٢١٠ بحث قيم عن أبي بكر بن وحشية ، وعن كتابه ، وعما قام حولهما من شكوك وأبحاث.
(٣) بالأصلين : «بنويونان» ، تحريف.