وظل العنوان بهذه الصورة حتى بعد أن رحل ابن خلدون إلى الأندلس مرتين ، ثم ارتحل إلى مصر والحجاز والشام ، وأصبح ما جدّ من تجاربه في رحلاته الجديدة جزءا من حياته ، يجب أن يدونه ، وأن يضيفه إلى ما كان قد سجله قبل ففعل ، وعظم حجم الكتاب بما أضيف إليه من جديد الأخبار ، ولم يكن العنوان السالف الذكر من السعة والمرونة بحيث يشمل هذا الجديد الطارئ ، دون أن يدخل في صوغه تعديل تتضح معه الدلالة على مباحث الكتاب ؛ فحذف ابن خلدون أداة الإشارة «هذا» التي كانت واضحة الدلالة على تبعية هذا الجزء لكتاب «العبر» ، وأضاف إلى بقية العنوان الكلمات : «ورحلته غربا وشرقا» ، فكملت بذلك الصياغة الأخيرة للعنوان ، وأصبح : «التعريف بابن خلدون مؤلف الكتاب ، ورحلته غربا وشرقا».
ويلاحظ فيه ، وهو بصيغته الحالية ، عنصران بارزان : «التعريف» بالمؤلف ، و «رحلته» ، وكل منهما دال على معنى واضح في الكتاب.
وتداول المؤرخون من بعد ابن خلدون كتابة هذا ، وكانت النسخ التي تقع تحت أيديهم مختلفة ، بعضها قديم واقع في آخر كتاب التاريخ تابع له ، وهو في هذه الحالة لم يتغير عنوانه بعد ، وليس بين كلمات عنوانه ما يدل على معناه غير كلمة «التعريف» ، فلم تكن لهم مندوحة عن تسميته عند النقل عنه ب «التعريف» ، وهي تسمية دعاهم إليها أن كلمة «التعريف» وضحت دلالتها على معنى الكتاب ، فكانت أحق من أخواتها بالاختيار.
أما البقية من النسخ ، فقد كانت حديثة الصدور عن المؤلف ، عدل في عنوانها ، فأصبح من بين كلماته ما يصلح للدلالة على الكتاب وهو قوله : «ورحلته غربا وشرقا» ، فاختار الذين نقلوا عن هذه المجموعة من النسخ أن يسموا هذا الكتاب «رحلة» لابن خلدون ، وكان لهذه التسمية حظ غير قليل من الذيوع في العصر الأخير على الرغم من أنها تسمية لم تعرف ـ فيما أعلم ـ قبل سنة ١٠٠٥ ه ؛ فقد نقل عنه أحمد بابا السوداني في كتابه «نيل الابتهاج بتطريز الديباج (١)» على أنه «رحلة» لابن خلدون. وفي سنة ١٠٠٦ ه كان العالم التركي أويس بن محمد المعروف
__________________
(١) انظر ص ٢٤٨ من نيل الابتهاج طبع مصر سنة ١٣٥١ ه