وقلت : وبقيت لي أخرى ، فقال : وما هي؟ فقلت : هؤلاء المخلّفون عن سلطان مصر. من القرّاء والموقّعين ، والدواوين ، (١) والعمال ، صاروا إلى إيالتك والملك لا يغفل مثل هؤلاء فسلطانكم كبير ، وعمالاتكم متّسعة ، وحاجة ملككم إلى المتصرفين في صنوف الخدم أشدّ من حاجة غيركم ، فقال وما تريد لهم؟ قلت : مكتوب أمان يستنيمون إليه ، ويعوّلون في أحوالهم عليه. فقال لكاتبه : أكتب لهم بذلك ، (٢) فشكرت ودعوت. وخرجت مع الكاتب حتى كتب لي مكتوب اأمان ، وختمه شاه ملك بخاتم السّلطان ، وانصرفت إلى منزلي. ولما قرب سفره واعتزم علم الرحيل عن الشام ، دخلت عليه ذات يوم ، فلما قضينا المعتاد ، التفت إليّ وقال : عندك بغلة هنا؟ قلت نعم ، قال حسنة؟ قلت نعم ، قال وتبيعها؟ فأنا اشتريها منك ، فقلت : أيدك الله! مثلي لا يبيع من مثلك ، إنّما أنا أخدمك بها ، وبأمثالها لو كانت لي ، فقال : أنا أردت أن أكافئك عنها بالإحسان ، فقلت : وهل بقي إحسان وراء ما أحسنت به ، اصطنعتني ، وأحللتني من مجلسك محلّ خواصّك ، وقابلتني من الكرامة والخير بما أرجو الله أن يقابلك بمثله ، وسكت وسكتّ وحملت البغلة ـ وأنا معه في المجلس ـ إليه ، ولم أرها بعد.
ثم دخلت عليه يوما آخر فقال لي : أتسافر إلى مصر؟ فقلت أيّدك الله ، رغبتي إنما هي أنت ، وأنت قد آويت وكفلت ، فإن كان السّفر إلى مصر في خدمتك فنعم ، وإلا
__________________
(١) كذا في الأصلين. ولعل الصواب : «بالدواوين» ، أو «وأصحاب الدواوين».
(٢) ذكر هذه الشفاعة المقريزي في السلوك ورقة ٢٣٩ ب في حوادث سنة ٨٠٣ (نسخة الفاتح).