فلا بغية لي فيه ، فقال لا ، بل تسافر إلى عيالك وأهلك ، (١) فالتفت إلى ابنه ، وكان مسافرا إلى شقحب لمرباع دوابّه ، واشتغل يحادثه ، فقال لي الفقيه عبد الجبّار الذي كان يترجم بيننا : إن السّلطان يوصي ابنه بك ، فدعوت له ، ثم رأيت أن السّفر مع ابنه غير مستبين الوجهة ، والسفر إلى صفد أقرب السواحل إلينا أملك لأمري ، فقلت له ذلك ، فأجاب إليه ، وأوصى بي قاصدا كان عنده من حاجب صفد ابن الدّويداري ، (٢) فوادعته وانصرفت ، واختلفت الطريق مع ذلك القاصد ، فذهب عنّي ، وذهبت عنه. وسافرت في جمع من أصحابي ، فاعترضتنا جماعة من العشير قطعوا علينا الطّريق ، ونهبوا ما معنا ، ونجونا إلى قرية هنالك عرايا. واتّصلنا بعد يومين أو ثلاث بالصّبيبة فخلفنا بعض الملبوس ، وأجزنا إلى صفد ، فأقمنا بها أياما. ثم مرّ
__________________
(١) من تاريخ ابن قاضي شهبة لوحة ١٨١ سنة ٨٠٣ : «... وفي مستهل شعبان ، وصل إلى القاهرة ولي الدين ابن خلدون المالكي ، والقاضي صدر الدين ابن العجمي كاتب الدست ، والقاضي سعد الدين ابن القاضي شرف الدين الحنبلي أيضا ، وكانوا من جملة المنقطعين بالشام ، وكان القاضي ابن خلدون قد خرج مع القضاة من دمشق إلى تمر لنك ، ولما عرفه عظّمه كثيرا ، وسأله أن يكتب له مدن المغرب ، والمفاوز بها (كذا) ، وأسماء قبائل العرب بها (كذا) ، فلما قرئت عليه بالأعجمي أعجبته وقال : صنّفت أخبار المغرب فقط؟ فقال : لا. أخبار الشرق ، والغرب ، وأسماء الملوك ؛ وقد كتبت ترجمتك ، وأريد أقرؤها (كذا) عليك ، فما كان منها صحيحا تركته ، وما كان غير صحيح أصلحته ، فأذن له فقرأ نسبه فقال : من أين عرفته؟ فقال : سألت عنه التجار الثقاة الواردين ، ثم قرأ فتوحاته وأحواله ، وابتداء أمره ، ومنام (كذا) رآه والده ، فأعجبه ذلك كثيرا فقال : تهيأ حتى تذهب معي إلى بلادي ، فقال له : في مصر من يحبني وأحبه ، ولا بدّ لك من قصد مصر في هذه المرة أو في غيرها ، وأنا أذهب وأهيئ أمري ، وأذهب في خدمتك ، فأذن له في الذهاب إلى مصر ، وأن يستصحب معه من شاء. هكذا حكى لي ذلك القاضي شهاب الدين بن العز ، وأنه كان حاضرا لبعض ذلك». وفيه كما ترى ـ مخالفة لما يقصّه ابن خلدون عن نفسه.
(٢) في عجائب المقدور ص ١١٣ : «... وكان في صفد تاجر من أهل البلاد أحد الرؤساء والتجار ، يدعى علاء الدين ، وينسب إلى دوادار ، كان تقدمت له خدمة على السّلطان ، فولاه حجابة ذلك المكان.