الفصل» في أنّ الاجتماعي الإنساني ضروري ، ثم تليها «المقدّمة الثانية» في الجغرافيا بعنوان «في قسط العمران من الأرض والإشارة إلى بعض ما فيه من البحار والأنهار والأقاليم». ويبدأ ابن خلدون كلامه عن الجغرافيا بالوصف المعتاد لشكل الأرض ، وهو يعتبرها كرة ، يمثّل اليابس نصف سطحها فقط ، ويمثّل المعمور مقدار الربع من هذا اليابس ، وينقسم بدوره إلى سبعة أقاليم ؛ وكلّ واحد من هذه الأقاليم ينقسم بدوره أيضا إلى عشرة أجزاء. ويبدو من كلامه أنّ مصدريه الأساسيين هما : بطلميوس والإدريسي ، وهو يشير بصراحة إلى ذلك ، ففي سرده للبحار والأنهار الذي سبق لنا معرفته جيدا يقول ابن خلدون ما نصّه : «وقد ذكر ذلك كلّه بطلميوس في كتابه والشريف في كتابه رجار وصوروا في الجغرافيا جميع ما في المعمور من الجبال والبحار والأودية واستوفوا من ذلك ما لا حاجة لنا به لطوله ولأن عنايتنا في الأكثر إنما هي بالمغرب الذي هو وطن البربر وبالأوطان التي للعرب من المشرق (١).
ويلي «المقدّمة الثانية» تكمله لهذه المقدّمة الثانية «بعنوان» في أن الربع الشمالي من الأرض أكثر عمرانا من الربع الجنوبي وذكر السبب في ذلك. وفي هذه التكملة يعرض ابن خلدون للنظرية التي انتشرت في الأدب الجغرافي العربي ، ومؤدّاها خلو البلدان الواقعة إلى الجنوب من خط الاستواء من السكان لإفراط الحرّ ، فيقف منها موقف المتشكّك محاولا أن يوفق بين تفكيره المتّسم بالواقعية والنظريات المتوارثة عن العلم اليوناني ، فيقول : «ومن هنا أخذ الحكماء خلاء خط الاستواء وما وراءه. وأردّ عليهم أنه معمور بالمشاهدة والأخبار المتواترة ، فكيف يتم البرهان على ذلك؟ والظاهر أنّهم لم يريدوا امتناع العمران فيه بالكلية إنّما أدّاهم البرهان إلى أن فساد التكوين فيه
__________________
(١) لم يلبث ابن خلدون أن عدل عن ذلك وأكمل هذه النبذة بتفصيلات كثيرة تحت عنوان «تفصيل الكلام على هذه الجغرافيا» وكان من الواجب عليه حذف هذه الألفاظ ، ولكن يلوح أنه غفل عن ذلك فظلّت مثبتة في جميع النسخ الخطية. ومن الملاحظ أن ابن خلدون قد تناول المسودة الأولى لمصنفه بالتنقيح والإضافة ، وفاته أحيانا أن يحذف أو يعدّل ما يتعارض مع هذه الإضافات في المسودة الأولى فجاءت المسودات مشتملة في بعض المواطن على الأصل والزيادة معا مع تعارضهما فيما يقرّرانه. وهذا ما حدث فعلا عند كلامه في الجغرافيا. (المترجم).