أخرى غير الإدريسي مثل ابن سعيد أو «كتاب المشترك» لياقوت ، غير أن هذا لا يحدث إلا نادرا ، زد على ذلك أنّ ما ينقله منهم يرد عادة عن طريق الإدريسي نفسه. ولإعطاء مثال جيد لهذا نذكر موقفه من قصّة رؤيا الواثق التي كانت سببا في رحلة سلام الترجمان ، فهو يقول : إن هذه الرواية موجودة «في حكاية طويلة ليست من مقاصد كتابنا هذا».
كل هذا يضطرنا إلى الاعتراف بأن القسم المكرّس لتصنيف العلوم ووصفها في «المقدّمة» والقسم الخاص بالجغرافيا لا يقدّمان شيئا ذا أهمية بالنسبة لتاريخ الأدب الجغرافي. ولحسن الحظ فإنّ هذين القسمين لا يستنفذان جميع المادّة الجغرافية عند ابن خلدون ، ذلك أن كتابه يعدّ مصدرا جغرافيا هاما ، ففي فصول أخرى من «المقدّمة» تتناثر أفكار تتميّز بالأصالة والجدّة حتى بالنسبة للأدب الجغرافي العربي نفسه. وفي هذا المجال فإنّ «المقدّمات» الأخرى التي تلي «المقدّمة الثانية» المتضمّنة للقسم الجغرافي تمثّل أهميّة لا ريب فيها. «فالمقدّمة الثالثة» مثلا تبحث «في المعتدل من الأقاليم والمنحرف وتأثير الهواء في ألوان البشر» ، وتبحث الرابعة «في أثر الهواء في أخلاق البشر» ، والخامسة «في اختلاف أحوال العمران في الخصب والجوع ، وما ينشأ عن ذلك من الآثار في أبدان البشر وأخلاقهم».
كل هذه المسائل التي تبحث في أثر الإقليم والوسط الجغرافي في حياة البشر لم يحدث أن أخضعت قبل ابن خلدون لفحص منظّم ، فهو في هذا المضمار يجب أن يعدّ مجدّدا بلا ريب ، ومثل أفكاره هذه لم تظهر في أوروبا إلا بعد مضي عدّة قرون ، وذلك ابتداء من مونتسكيوMontesquieu.
أما بالنسبة للجغرافيا الاقتصادية فإن عددا من أقسام «المقدّمة» يمتاز أيضا بقيمة لا تجارى ، وهذا لا يصدق مثلا على الفصل الثاني «في العمران البدوي والأمم الوحشية والقبائل» ، وعلى الفصل الرابع «في البلدان والأمصار وسائر العمران وما يعرض في ذلك من الأحوال» ، ويصدق كذلك على الفصل الخامس «في المعاش ووجوهه من الكسب والصنائع وما يعرض في ذلك كلّه من الأحوال». واهتمام ابن خلدون بالأمم شبه المتحضّرة يمثل واقعة نادرة في الأدب الجغرافي العربي ، وبوسع علماء الاثنوغرافيا المعاصرين أن يجدوا مادّة قيّمة في تصنيفه للأجناس ، كما وأن القسم