وبأمية صاحبهم ، وهو يمالئهم على ذلك ، ويكيد بابن الأمير عبد الله. وحاصروهما في القصر ، حتّى طلب منهم الّلحاق بأبيه فأخرجوه ، واستبدّ أمية إشبيلية ، ودس على عبد الله بن حجّاج من قتله ، وأقام أخاه إبراهيم مكانه. وضبط إشبيلية ، واسترهن أولاد بني خلدون وبني حجّاج ، ثم ثاروا به ، وهمّ بقتل أبنائهم فراجعوا طاعته. وحلفوا له ، فأطلق أبناءهم فانتقضوا ثانية. وحاربوه فاستمات وقتل حرمه ، وعقر خيوله ، وأحرق موجوده. وقاتلهم حتى قتلوه مقبلا غير مدبر ، وعاثت العامّة في رأسه. وكتبوا إلى الأمير عبد الله بأنه خلع فقتلوه ، فقبل منهم مداراة ، وبعث عليهم هشام بن عبد الرحمن من قرابته ، فاستبدّوا عليه ، وفتكوا بابنه ، وتولّى كبر ذلك كريب بن خلدون ، واستقلّ بإمارتها.
وكان إبراهيم بن حجّاج بعد ما قتل أخوه عبد الله ـ على ما ذكره ابن سعيد عن الحجاري ـ سمت نفسه إلى التّفرد ، فظاهر ابن حفصون (١) أعظم ثوار الأندلس يومئذ ، وكان بمالقة (٢) وأعمالها إلى رندة ، (٣) فكان له منه ردء. ثم انصرف إلى مداراة كريب بن خلدون وملابسته ، فردفه في أمره ، وشركه في سلطانه ، وكان في كريب تحامل على الرّعية وتعصّب ، فكان يتجهّم لهم ، ويغلظ عليهم ، وابن حجّاج يسلك بهم الرفق والتلطف في الشفاعة لهم عنده ، فانحرفوا عن كريب إلى إبراهيم.
ثم دسّ إلى الأمير عبد الله يطلب منه الكتاب بولاية إشبيلية ، لتسكن إليه العامّة ، فكتب إليه العهد بذلك. وأطلع عليه عرفاء البلد ، مع ما أشربوا من حبّه ، والنّفرة عن كريب ، ثم أجمع الثورة ، وهاجت العامّة بكريب فقتلوه ، وبعث برأسه إلى الأمير عبد
__________________
(١) هو عمر بن حفصون بن عمر بن جعفر دميان بن فرغلوش بن أذفونش القس. أول ثائر بالأندلس ، وهو الذي افتتح الخلاف بها ، وفارق الجماعة أيام محمد بن عبد الرحمن سنة ٢٧٠. وتوفي سنة ٣٠٦ وانظر ثورته في تاريخ ابن خلدون ٤ / ١٣٤ وما بعدها.
(٢) مالقةMalaga) عرضها الشمالي ٤٥ ـ ٣٦ ، وطولها الغربي ١٠ ـ ٦) بفتح اللام والقاف مدينة معروفة من مدن الأندلس الساحلية. ياقوت ٧ / ٣٦٧. الروض المعطار ص ١٧٧.
(٣) رندةRonda) عرضها الشمالي ٤٥ ـ ٣٦ وطولها الشرقي ١٠ ـ ٥) بضم فسكون فدال مفتوحة مدينة شهيرة بالأندلس. ياقوت ٤ / ٢٩٣. الروض ص ٧٩.