الله ، واستقرّ بإمارة إشبيلية.
قال ابن حيّان : وحصّن مدينة قرمونة من أعظم معاقل الأندلس ، وجعلها مرتبطا لخيوله ، وكان ينتقل بينها وبين إشبيلية. واتخذ الجند ورتّبهم طبقات ، وكان يصانع الأمير عبد الله بالأموال والهدايا ، ويبعث إليه المدد في الصّوائف. (١) وكان مقصودا ممدّحا ، قصده أهل البيوتات فوصلهم ، ومدحه الشعراء فأجازهم ، وانتجعه أبو عمر ابن عبد ربّه صاحب العقد ، (٢) وقصده من بين سائر الثوار ، فعرف حقّه ، وأعظم جائزته.
ولم يزل بيت بني خلدون بإشبيلية ـ كما ذكره ابن حيّان وابن حزم وغيرهما ـ سائر أيام بني أمية إلى أزمان الطّوائف ، (٣) وانمحت عنهم الإمارة بما ذهب لهم من الشوكة.
ولما علا كعب بن عبّاد (٤) بإشبيلية ، واستبدّ على أهلها ، استوزر من بني خلدون هؤلاء ، واستعملهم في رتب دولته ، وحضروا معه وقعة الزّلّاقة (٥) كانت لابن عبّاد وليوسف بن تاشفين (٦) على ملك الجلالقة ، فاستشهد فيها طائفة كبيرة من بني
__________________
(١) الصوائف جمع صائفة وهي غزوات المسلمين إلى بلاد الروم. سميت صوائف لأنهم كانوا يغزون صيفا تفاديا من شدّة البرد والثلج (تاج العروس).
(٢) أبو عمر أحمد بن محمد بن عبد ربه القرطبي (٢٤٦ ـ ٣٢٨) صاحب كتاب العقد الفريد ترجمته في الوفيات ١ / ٣٩ اليتيمة ١ / ٤١٢ معجم ياقوت ٢ / ٦٧.
(٣) يبتدئ عصر ملوك الطوائف بالأندلس بنهاية الخلافة الأموية ، وينتهي بغلبة يوسف بن تاشفين المرابطي عليهم جميعا ، واستيلائه على الأندلس. انظر تاريخ ابن خلدون ٤ / ١٥٦ وما بعدها.
(٤) أبو القاسم المعتمد محمد بن المعتضد بن عباد (٤٣١ ـ ٤٨٨) أكبر ملوك الطوائف بالأندلس ترجمته في : الوفيات ٣ / ٣٦. المعجب ص ٦٣ ؛ نفح الطيب ٢ / ٤٦٩ تاريخ ابن خلدون ٤ / ١٥٦ وما بعدها.
(٥) وقعة الزلاقة هذه من المعارك ذات الأثر البعيد في الحياة الإسلامية بالأندلس ، ولذلك أكثر المؤرخون من الحديث عنها. انظر مثلا نفح الطيب ٢ / ٥٢٣ والوفيات ٢ / ٤٠ ، ٤٨٣ ، والروض المعطار ص ٨٣ ـ ٩٥ ، الاستقصا ١ / ١١١ ـ ١١٩.
(٦) انظر ترجمة يوسف بن تاشفين (٤١٠ ـ ٥٠٠) في الوفيات ٢ / ٤٨١.