والتّعليم ، ولازم صحابة السّلطان ، وحضر معه واقعة طريف ، وواقعة القيروان بإفريقية ؛ وكانت قد حصلت بينه وبين والدي رحمهالله صحابة ، كانت وسيلتي إليه في القراءة عليه ، فلزمت مجلسه ، وأخذت عنه ، وافتتحت العلوم العقلية بالتّعاليم. ثم قرأت المنطق ، وما بعده من الأصلين ، وعلوم الحكمة ؛ وعرض أثناء ذلك ركوب السّلطان أساطيله من تونس إلى المغرب ، وكان الشيخ في نزلنا وكفالتنا ، فأشرنا عليه بالمقام ، وثبطناه عن السفر ، فقبل ، وأقام. طالبنا به السّلطان أبو الحسن ، فأحسنّا له العذر. وتجافى عنه ، وكان من حديث غرقه في البحر ما قدّمناه. وأقام الشيخ بتونس ، ونحن وأهل بلدنا جميعا نتساجل في غشيان مجلسه ، والأخذ عنه ؛ فلما هلك السّلطان أبو الحسن بجبال هنتاتة ، (١) وفرغ ابنه أبو عنان (٢) من شواغله ، وملك تلمسان من بني عبد الواد ؛ كتب فيه يطلبه من صاحب تونس ، وسلطانها يومئذ أبو إسحق (٣) إبراهيم بن السّلطان أبي يحيى ، في كفالة شيخ الموحدين أبي محمد بن تافراكين ، فأسلمه إلى سفيره ، وركب معه البحر في أسطول السّلطان الذي جاء فيه السفير. ومرّ ببجاية ، ودخلها ، وأقام بها شهرا ، حتى قرأ عليه طلبة العلم بها مختصر ابن الحاجب في أصول الفقه ، (٤) برغبتهم في ذلك منه ومن صاحب الأسطول ، ثم ارتحل ، ونزل بمرسى هنين (٥) ؛ وقدم على السّلطان
__________________
(١) درج ابن خلدون على ضبط «هنتاتة» بالقلم ، بكسر الهاء. وسكون النون ، وفتح التاء الفوقية ، بعدها ألف ممدودة ، ثم تاء مفتوحة بعدها هاء للتأنيث. وفي شذرات الذهب لابن العماد ٦ / ٣٤٥ ، وصبح الأعشى ٥ / ١٣٤ : أنها بفتح الهاء. وبقية الضبط متفق عليه بينهم.
(٢) هو فارس المكنى بأبي عنان بن أبي الحسن المريني ؛ كان يلقب بالمتوكل ، ثار على أبيه ، وملك المغرب الأقصى ، وبجاية ، وقسنطينة ، وتلمسان ، وتونس ، وتوفي سنة ٩٥٧. انظر ترجمته وأخباره في : صبح الأعشى ٥ / ١٩٨ ، العبر ٧ / ٢٧٨ ، ٢٨٦ ، ٢٨٧ ، اللمحة البدرية ص ٩٣ ـ ٩٥.
(٣) أبو اسحق إبراهيم بن أبي بكر بن يحيى بن إبراهيم انظر ترجمته ، وأخباره في الدرر الكامنة ١ / ١٢ ، تاريخ ابن خلدون ٦ / ٣٦٤ ، صبح الأعشى ٥ / ١٣١.
(٤) سبق الحديث المفصل عن هذا المختصر ، في ترجمة ابن الحاجب ص ١٧.
(٥) هنين مرت فيما سبق ، وهي بضم الهاء وفتح النون : مدينة ساحلية ، كان موقعها الشمال الغربي لتلمسان ، وفي مكانها الآن مدينة بني صاف Beni Saf.