واقعة طريف ، فرعى له أبو الحجّاج ذمّة تلك المعرفة ، وأدناه ، واستعمله في الخطابة بجامعه بالحمراء ، فلم يزل خطيبه إلى إن استدعاه السّلطان أبو عنان سنة أربع وخمسين بعد مهلك أبيه ، واستيلائه على تلمسان وأعمالها ، فقدم عليه ورعى له وسائله ، ونظمه في أكابر أهل مجلسه وكان يقرأ الكتاب بين يديه في مجلسه العلمي ، ويدرّس في نوبته مع من يدرّس في مجلسه منهم ؛ ثم بعثه إلى تونس عام ملكها سنة ثمان وخمسين ؛ ليخطب له ابنة السّلطان أبي يحيى ، فردّت تلك الخطبة واختفت بتونس. ووشي إلى السّلطان أبي عنان أنّه كان مطّلعا على مكانها ، فسخطه لذلك ، ورجع السّلطان من قسنطينة ، فثار أهل تونس بمن كان بها من عمّاله وحاميته. واستقدموا أبا محمد بن تافراكين من المهههدية ، (١) فجاء ، وملك البلد ، وركب القوم الأسطول ، ونزلوا بمراسي تلمسان. وأوعز السّلطان (أبو عنان (٢)) باعتقال ابن مرزوق ، وخرج لذلك يحيى بن شعيب من مقدّمي الجنادرة (٣) ببابه ، فلقيه بتاسّالة ، (٤) فقيده هنالك ، وجاء به ، فأحضره السّلطان وقرّعه ، ثم حبسه مدّة ، وأطلقه بين يدي مهلكه ؛ واضطربت الدولة بعد موت السّلطان أبي عنان ، وبايع بنو مرين لبعض الأعياص من بني يعقوب بن عبد الحق. وحاصروا البلد الجديد ، وبها ابنه السعيد ، ووزيره المستبد عليه ، الحسن بن عمر ، وكان السّلطان أبو سالم بالأندلس ، غرّبه إليها أخوه السّلطان أبو عنان ، مع بني عمهم ، ولد السّلطان أبي عليّ بعد وفاة السّلطان أبي الحسن ، وحصولهم جميعا في قبضته. فلما توفى ، أراد أبو
__________________
(١) المهديةMahdia :) مدينة على الساحل بتونس ، بناها عبيد الله المهدي رأس العبيديين ؛ عرضها الشمال ٣٠ ـ ٣٥ ، وطولها الشرقي ٠٠ ـ ١١. ياقوت ٨ / ٢٠٦ ـ ٢٠٨.
(٢) الزيادة عن ش.
(٣) يريد بالجنادرة رجال الشرطة ؛ والمفرد : جاندار الذي يتكون من كلمتين فارسيتين : جان ، ومعناها : سلاح ، ودار معناها ممسك. انظر السلوك للمقريزي ص ١٣٣.
(٤) موقع «جبال تاسالة» (Tessaia) بالجزائر ، بجانب عين تموشنت ، في ناحية الجنوب منها.