السّفارة عن واقعة القيروان. ورجع بأبي تاشفين مع طائفة من زعماء النّصرانية ، جاءوا في السّفارة عن ملكهم ، ولقيهم خبر واقعة القيروان ، بقسنطينة ، من بلاد إفريقية ، وبها عامل السّلطان وحاميته ، فثار أهل قسنطينة بهم جميعا ، ونهبوهم ، وخطبوا للفضل بن السّلطان أبي يحيى ، وراجعوا دعوة الموحدين ، واستدعوه فجاء إليهم ، وملك البلد. وانطلق ابن مرزوق عائدا إلى المغرب ، مع جماعة من الأعيان ، والعمال ، والسفراء عن الملوك ، ووفد على السّلطان أبي عنان بفاس مع أمّه حظية أبي الحسن وأثيرته. كانت راحلة إليه ، فأدركها الخبر بقسنطينة. وحضرت الهيعة. واتصل بها الخبر بتوثّب ابنها أبي عنان على ملك أبيه ، واستيلائه على فاس ، فرجعت إليه ، وابن مرزوق في خدمتها ، ثم طلب اللحاق بتلمسان ، فسرّحوه إليها ، وأقام بالعبّاد مكان سلفه ، وعلى تلمسان يومئذ أبو سعيد عثمان بن عبد الرحمن بن يحيى بن يغمراسن بن زيان ، قد بايع له قبيله بنو عبد الواد بعد واقعة القيروان بتونس ، وابن تافراكين يومئذ محاصر للقصبة ، كما مرّ في أخبارهم ، وانصرفوا إلى تلمسان ، فوجدوا بها أبا سعيد عثمان ابن جرّار ، (١) من بيت ملوكهم ، قد استعمله عليها السّلطان أبو عنان ، عند انتقاضه على أبيه ، ومسيره إلى فاس.
فانتقض ابن جرار من بعده ، ودعا لنفسه ، وصمد إليه عثمان بن عبد الرحمن ومعه أخوه أبو ثابت وقومهما ، فملكوا تلمسان من يد ابن جرار ، وحبسوه ثم قتلوه ، واستبدّ أبو سعيد بملك تلمسان ، وأخوه أبو ثابت يرادفه. وركب السّلطان أبو الحسن البحر من تونس ، وغرق أسطوله ، ونجا هو إلى الجزائر ، فاحتلّ بها ، وأخذ في الحشد إلى تلمسان ، فرأى أبو سعيد أن يكفّ غربه عنهم ، بمواصلة تقع بينهما ، واختار لذلك الخطيب ابن مرزوق ، فاستدعاه وأسرّ إليه بما يلقيه عنه للسلطان أبي الحسن ، وذهب لذلك على طريق الصحراء. واطلع أبو ثابت وقومهم على الخبر ، فنكروه على أبي سعيد ، وعاتبوه ، فبعثوا صقير ابن عامر في اعتراض ابن مرزوق ، فجاء به ، وحبسوه أياما. ثم أجازوه البحر إلى الأندلس ، فنزل على السّلطان أبي الحجّاج بغرناطة ، وله إليه وسيلة منذ اجتماعه به بمجلس السّلطان أبي الحسن بسبتة إثر
__________________
(١) انظر أخباره في العبر ٧ / ١١٤ ـ ١١٥.