بأنه إذا كان جوابها منفيا بما أو بلا لا تدخله الفاء بخلاف أدوات الشرط غيرها فلا بد من الفاء مع ما ومع لا إذا ارتفع المضارع ، فلو وقعت إن النافية في جواب غير إذا فلا بد من الفاء كما النافية ومعنى (هُزُواً) موضع هزء أو مهزوا به (أَهذَا) قبله قول محذوف أي يقولون وقال : جواب (إِذا) ما أضمر من القول أي (وَإِذا رَأَوْكَ) قالوا (أَهذَا الَّذِي بَعَثَ اللهُ رَسُولاً) و (إِنْ يَتَّخِذُونَكَ) جملة اعتراضية بين (إِذا) وجوابها.
قيل : ونزلت في أبي جهل كان إذا رأى الرسول عليه الصلاة والسلام قال : (أَهذَا الَّذِي بَعَثَ اللهُ رَسُولاً)؟ وأخبر بلفظ الجمع تعظيما لقبح صنعه أو لكون جماعة معه قالوا ذلك : والظاهر أن قائل ذلك جماعة كثيرة وهذا الاستفهام استصغار واحتقار منهم أخرجوه بقولهم بعث الله رسولا في معرض التسليم والإقرار وهم على غاية الجحود والإنكار سخرية واستهزاء ، ولو لم يستهزئوا لقالوا هذا زعم أو ادعى أنه مبعوث من عند الله رسولا.
وقولهم (إِنْ كادَ لَيُضِلُّنا) دليل على فرط مجاهدة رسول الله صلىاللهعليهوسلم في دعوتهم ، وبذله قصارى الوسع والطاقة في استعطافهم مع عرض الآيات والمعجزات حتى شارفوا بزعمهم أن يتركوا دينهم إلى دين الإسلام لو لا فرط لجاجهم واستمساكهم بعبادة آلهتهم. و (لَوْ لا) في مثل هذا الكلام جار من حيث المعنى لا من حيث اللفظ مجرى التقييد للحكم المطلق قاله الزمخشري. وقال أبو عبد الله الرازي : الاستهزاء إما بالصورة فكان أحسن منهم خلقة أو بالصفة فلا يمكن لأن الصفة التي تميز بها عنهم ظهور المعجز عليه دونهم ، وما قدروا على القدح في حجته ففي الحقيقة هم الذين يستحقون أن يهزأ بهم ثم لوقاحتهم قلبوا القصة واستهزؤوا بالرسول عليه الصلاة والسلام انتهى. قيل : وتدل الآية على أنهم صاروا في ظهور حجته عليه الصلاة والسلام عليهم كالمجانين استهزءوا به أولا ثم إنهم وصفوه بأنه (كادَ لَيُضِلُّنا) عن مذهبنا (لَوْ لا) أنا قابلناه بالجمود والإصرار. فهذا يدل على أنهم سلموا له قوة الحجة وكمال العقل ، فكونهم جمعوا بين الاستهزاء به وبين هذه الكيدودة دل على أنهم كانوا كالمتحيرين في أمره تارة يستهزئون منه وتارة يصفونه بما لا يليق إلّا بالعالم الكامل.
(وَسَوْفَ يَعْلَمُونَ) وعيد ودلالة على أنهم لا يفوتونه وإن طالت مدة الإمهال فلا بد للوعيد أن يلحقهم فلا يغرنهم التأخير ، ولما قالوا (إِنْ كادَ لَيُضِلُّنا) جاء قوله (مَنْ أَضَلُّ سَبِيلاً) أي سيظهر لهم من المضل ومن الضال بمشاهدة العذاب الذي لا مخلص لهم منه. والظاهر أن من استفهامية وأضل خبره والجملة في موضع مفعول (يَعْلَمُونَ) إن كانت