بمد. والجملة في موضع متعلق (أَلَمْ تَرَ) لأن (تَرَ) معلقة والجملة الاستفهامية التي هي معلق عنها فعل القلب ليس باقي على حقيقة الاستفهام. فالمعنى ألم تر إلى مدّ ربك الظل.
وقال الجمهور : (الظِّلَ) هنا من طلوع الفجر إلى طلوع الشمس مثل ظل الجنة ظل ممدود لا شمس فيه ولا ظلمة. واعترض بأنه في غير النهار بل في بقايا الليل ولا يسمى ظلا. وقيل : (الظِّلَ) الليل لا ظل الأرض وهو يغمر الدنيا كلها. وقيل : من غيبوبة الشمس إلى طلوعها وهذا هو القول الذي قبله ولكن أورده كذا. وقيل : ظلال الأشياء كلها كقوله (أَوَلَمْ يَرَوْا إِلى ما خَلَقَ اللهُ مِنْ شَيْءٍ يَتَفَيَّؤُا ظِلالُهُ) (١). وقال أبو عبيدة : (الظِّلَ) بالغداة والفيء بالعشي. وقال ابن السكيت : (الظِّلَ) ما نسخته الشمس والفيء ما نسخ الشمس. وقيل : ما لم تكن عليه الشمس ظل وما كانت عليه فزالت فيء.
(وَلَوْ شاءَ لَجَعَلَهُ ساكِناً) قال ابن عباس وقتادة وابن زيد : كظل الجنة الذي لا شمس تذهبه. وقال مجاهد : لا تصيبه الشمس ولا تزول. وقال الحسن : (لَوْ شاءَ) لتركه ظلا كما هو. وقيل : لأدامه أبدا بمنع طلوع الشمس بعد غيبوبتها ، فلما طلعت الشمس دلت على زوال الظل وبدا فيه النقصان فبطلوع الشمس يبدو النقصان في الظل ، وبغروبها تبدو الزيادة في الظل فبالشمس استدل أهل الأرض على الظل وزيادته ونقصه ، وكلما علت الشمس نقص الظل ، وكلما دنت للغروب زاد وهو قوله (ثُمَّ قَبَضْناهُ إِلَيْنا قَبْضاً يَسِيراً) (٢) يعني في وقت علو الشمس بالنهار ينقص الظل نقصانا يسيرا بعد يسير وكذلك زيادته بعد نصف النهار يزيد يسيرا بعد يسير حتى يعم الأرض. كلها فأما زوال الظل كله فإنما يكون في البلدان المتوسطة في وقت.
وقال الزمخشري : ومعنى (مَدَّ الظِّلَ) أن جعله يمتد وينبسط فينتفع به الناس. (وَلَوْ شاءَ لَجَعَلَهُ ساكِناً) أي لاصقا بأصل كل مظل من جبل وبناء وشجر وغير منبسط فلم ينتفع به أحد ، سمي انبساط الظل وامتداده تحركا منه وعدم ذلك سكونا ومعنى كون الشمس دليلا أن الناس يستدلون بالشمس وبأحوالها في مسيرها على أحوال الظل من كونه ثابتا في مكان وزائلا ومتسعا ومتقلصا فيبنون حاجتهم إلى الظل واستغناءهم عنه على حسب ذلك. وقبضه إليه أن ينسخه بظل الشمس (يَسِيراً) أي على مهل وفي هذا القبض اليسير شيئا
__________________
(١) سورة النحل : ١٦ / ٤٨.
(٢) سورة الفرقان : ٢٥ / ٤٦.