اتبعه عزوجل إرساله إليهم للإنذار والتسجيل عليهم بالظلم تعجيبا لموسى عليهالسلام من حالهم التي سعت في الظلم والعسف ، ومن أمنهم العواقب وقلة خوفهم وحذرهم من أيام الله. ويحتمل أن يكون ألا يتقون حالا من الضمير في الظالمين ، أي يظلمون غير متقين الله وعقابه ، فأدخلت همزة الإنكار على الحال. انتهى. وهذا الاحتمال الذي أورده خطأ فاحش لأنه جعله حالا من الضمير في الظالمين ، وقد أعرب هو (قَوْمَ فِرْعَوْنَ) عطف بيان ، فصار فيه الفصل بين العامل والمعمول بأجنبي بينهما ، لأن قوم فرعون معمول لقوله : (ائْتِ) والذي زعم أنه حال معمول لقوله الظالمين ، وذلك لا يجوز أيضا لو لم يفصل بينهما بقوله : قوم فرعون. لم يجز أن تكون الجملة حالا ، لأن ما بعد الهمزة يمتنع أن يكون معمولا لما قبلها. وقولك : جئت أمسرعا؟ على أن يكون أمسرعا حالا من الضمير في جئت لا يجوز ، فلو أضمرت عاملا بعد الهمزة جاز. وقرىء : بفتح النون وكسرها ، التقدير : أفلا يتقونني؟ فحذفت نون الرفع لالتقاء الساكنين ، وياء المتكلم اكتفاء بالكسرة. وقال الزمخشري : في ألا يتقون بالياء وكسر النون وجه آخر ، وهو أن يكون المعنى : ألا يا ناس اتقون ، كقوله : (أَلَّا يَسْجُدُوا) (١). انتهى. يعني : وحذف ألف يا خطا ونطقا لالتقاء الساكنين ، وهذا تخريج بعيد. والظاهر أن ألا للعرض المضمن الحض على التقوى ، وقول من قال إنها للتنبيه لا يصح ، وكذلك قول الزمخشري : إنها للنفي دخلت عليها همزة الإنكار.
ولما كان فرعون عظيم النخوة حتى ادعى الإلهية ، كثير المهابة ، قد أشربت القلوب الخوف منه خصوصا من كان من بني إسرائيل ، قال موسى عليهالسلام : (إِنِّي أَخافُ أَنْ يُكَذِّبُونِ). وقرأ الجمهور : (وَيَضِيقُ وَلا يَنْطَلِقُ) ، بالرفع فيهما عطفا على أخاف. فالمعنى : إنه يفيد ثلاث علل : خوف التكذيب ، وضيق الصدر ، وامتناع انطلاق اللسان. وقرأ الأعرج ، وطلحة ، وعيسى ، وزيد بن عليّ ، وأبو حيوة ، وزائدة ، عن الأعمش ، ويعقوب : بالنصب فيهما عطفا على يكذبون ، فيكون التكذيب وما بعده يتعلق بالخوف. وحكى أبو عمرو الداني ، عن الأعرج : أنه قرأ بنصب : ويضيق ، ورفع : ولا ينطلق ، وعدم انطلاق اللسان هو بما يحصل من الخوف وضيق الصدر ، لأن اللسان إذ ذاك يتلجلج ولا يكاد يبين عن مقصود الإنسان. وقال ابن عطية : وقد يكون عدم انطلاق اللسان بالقول لغموض المعاني التي تطلب لها ألفاظ محررة ، فإذا كان هذا في وقت ضيق الصدر ، لم ينطلق اللسان.
__________________
(١) سورة النمل : ٢٧ / ٢٥.