موسى وهارون ومن أرسلا إليه. وكان شيخنا الأستاذ أبو جعفر بن الزبير يرجح أن يكون أريد بصورة الجمع المثنى ، والخطاب لموسى وهارون فقط ، قال : لأن لفظة مع تباين من يكون كافرا ، فإنه لا يقال الله معه. وعلى أنه أريد بالجمع التثنية ، حمله سيبويه رحمهالله وكأنهما لشرفهما عند الله ، عاملهما في الخطاب معاملة الجمع ، إذ كان ذلك جائزا أن يعامل به الواحد لشرفه وعظمته.
قال ابن عطية : (مُسْتَمِعُونَ) اهتبالا ، ليس في صيغة سامعون ، وإلا فليس يوصف الله تعالى بطلب الاستماع ، وإنما القصد إظهار التهمم ليعظم أنس موسى ، أو يكون الملائكة بأمر الله إياها تستمع. وقال الزمخشري : (مَعَكُمْ مُسْتَمِعُونَ) من مجاز الكلام ، يريد أنا لكما ولعدو كما كالناصر الظهير لكما عليه إذا حضر واستمع ما يجري بينكما وبينه ، فأظهركما وغلبكما وكسر شوكته عنكما ونكسه. انتهى. ويجوز أن يكون معه متعلقا بمستمعون ، وأن يكون خبرا ، ومستمعون خبر ثان. والمعية هنا مجاز ، وكذلك الاستماع ، لأنه بمعنى الإصغاء ، ولا يلزم من الاستماع السماع ، تقول : أسمع إليه ، فما سمع واستمع إليه ، فسمع كما قال : (اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ فَقالُوا إِنَّا سَمِعْنا) (١) ، وأفرد رسول هنا ولم يثن ، كما في قوله : (إِنَّا رَسُولا رَبِّكَ) (٢) ، إما لأنه مصدر بمعنى الرسالة ، فجاز أن يقع مفردا خبر المفرد فما فوقه ، وإما لكونهما ذوي شريعة واحدة ؛ فكأنهما رسول واحد. وأريد بقوله : أنا أو كل واحد منا رسول.
و (رَسُولُ رَبِّ الْعالَمِينَ) فيه رد عليه ، وأنه مربوب لله تعالى ، بادهه بنقض ما كان أبرمه من ادعاء الألوهية ، ولذلك أنكر فقال : وما رب العالمين والمعنى إليك ، و (أَنْ أَرْسِلْ) : يجوز أن تكون تفسيرية لما في رسول من معنى القول ، وأن تكون مصدرية ، وأرسل بمعنى أطلق وسرح ، كما تقول : أرسلت الحجر من يدي ، وأرسلت الصقر. وكان موسى مبعوثا إلى فرعون في أمرين : إرسال بني إسرائيل ليزول عنهم العبودية ، والإيمان بالله وبعث بالعبادات والشرع إلى بني إسرائيل وإرسالهم معهما كان إلى فلسطين ، وكانت مسكن موسى وهارون.
(قالَ أَلَمْ نُرَبِّكَ فِينا وَلِيداً وَلَبِثْتَ فِينا مِنْ عُمُرِكَ سِنِينَ ، وَفَعَلْتَ فَعْلَتَكَ الَّتِي فَعَلْتَ وَأَنْتَ مِنَ الْكافِرِينَ ، قالَ فَعَلْتُها إِذاً وَأَنَا مِنَ الضَّالِّينَ ، فَفَرَرْتُ مِنْكُمْ لَمَّا خِفْتُكُمْ فَوَهَبَ لِي
__________________
(١) سورة الجن : ٧٢ / ١.
(٢) سورة طه : ٢٠ / ٤٧.