هو ابن الباذش ، في كتاب الإقناع من تأليفه : تراءى الجمعان في الشعراء. إذا وقف عليها حمزة والكسائي ، أما لا الألف المنقلبة عن لام الفعل ، وحمزة يميل ألف تفاعل وصلا ووقفا لإمالة الألف المنقلبة ؛ ففي قراءته إمالة الإمالة. وفي هذا الفعل ، وفي راءى ، إذا استقبله ألف وصل لمن أمال للإمالة ، حذف السبب وإبقاء المسبب ، كما قالوا : صعقى في النسب إلى الصعق. وقرأ الجمهور : لمدركون ، بإسكان الدال ؛ والأعرج ، وعبيد بن عمير : بفتح الدال مشددة وكسر الراء ، على وزن مفتعلون ، وهو لازم ، بمعنى الفناء والاضمحلال. يقال : منه ادّرك الشيء بنفسه ، إذا فنى تتابعا ، ولذلك كسرت الراء على هذه القراءة ، نص على كسرها أبو الفضل الرازي في (كتاب اللوامح) ، والزمخشري في (كشافه) وغيرهما. وقال أبو الفضل الرازي : وقد يكون ادّرك على افتعل بمعنى أفعل متعديا ، فلو كانت القراءة من ذلك ، لوجب فتح الراء ، ولم يبلغني ذلك عنهما ، يعني عن الأعرج وعبيد بن عمير. قال الزمخشري : المعنى إنا لمتتابعون في الهلاك على أيديهم حتى لا يبقى منا أحد ، ومنه بيت الحماسة :
أبعد بني أمي الذين تتابعوا |
|
أرجى الحياة أم من الموت أجزع |
(قالَ كَلَّا إِنَّ مَعِي رَبِّي سَيَهْدِينِ) : زجرهم وردعهم بحرف الردع وهو كلا ، والمعنى : لن يدركوكم لأن الله وعدكم بالنصر والخلاص منهم ، إن معي ربي سيهدين عن قريب إلى طريق النجاة ويعرفنيه. وقيل : سيكفيني أمرهم. ولما انتهى موسى إلى البحر ، قال له مؤمن آل فرعون ، وكان بين يدي موسى : أين أمرت ، وهذا البحر أمامك وقد غشيتك آل فرعون؟ قال : أمرت بالبحر ، ولا يدري موسى ما يصنع. ورويت هذه المقالة عن يوشع ، قالها لموسى عليهالسلام ، فأوحى الله إليه (أَنِ اضْرِبْ بِعَصاكَ الْبَحْرَ) ، فخاض يوشع الماء. وضرب موسى بعصاه ، فصار فيه اثنا عشر طريقا ، لكل سبط طريق. أراد تعالى أن يجعل هذه الآية متصلة بموسى ومتعلقة بفعل فعله ، ولكنه بقدرة الله إذ ضرب البحر بالعصا لا يوجب انفلاق البحر بذاته ، ولو شاء تعالى لفلقه دون ضربه بالعصا ، وتقدّم الخلاف في مكان هذا البحر.
(فَانْفَلَقَ) : ثم محذوف تقديره : فضرب فانفلق. وزعم ابن عصفور في مثل هذا التركيب أن المحذوف هو ضرب ، وفاء انفلق. والفاء في انفلق هي فاء ضرب ، فأبقى من كل ما يدل على المحذوف ، أبقيت الفاء من فضرب واتصلت بانفلق ، ليدل على ضرب المحذوفة ، وأبقى انفلق ليدل على الفاء المحذوفة منه. وهذا قول شبيه بقول صاحب