يَشْفِينِ ، وَالَّذِي يُمِيتُنِي ثُمَّ يُحْيِينِ ، وَالَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ ، رَبِّ هَبْ لِي حُكْماً وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ ، وَاجْعَلْ لِي لِسانَ صِدْقٍ فِي الْآخِرِينَ ، وَاجْعَلْنِي مِنْ وَرَثَةِ جَنَّةِ النَّعِيمِ ، وَاغْفِرْ لِأَبِي إِنَّهُ كانَ مِنَ الضَّالِّينَ ، وَلا تُخْزِنِي يَوْمَ يُبْعَثُونَ ، يَوْمَ لا يَنْفَعُ مالٌ وَلا بَنُونَ ، إِلَّا مَنْ أَتَى اللهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ ، وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ ، وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِلْغاوِينَ ، وَقِيلَ لَهُمْ أَيْنَ ما كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ ، مِنْ دُونِ اللهِ هَلْ يَنْصُرُونَكُمْ أَوْ يَنْتَصِرُونَ ، فَكُبْكِبُوا فِيها هُمْ وَالْغاوُونَ ، وَجُنُودُ إِبْلِيسَ أَجْمَعُونَ ، قالُوا وَهُمْ فِيها يَخْتَصِمُونَ ، تَاللهِ إِنْ كُنَّا لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ ، إِذْ نُسَوِّيكُمْ بِرَبِّ الْعالَمِينَ ، وَما أَضَلَّنا إِلَّا الْمُجْرِمُونَ ، فَما لَنا مِنْ شافِعِينَ ، وَلا صَدِيقٍ حَمِيمٍ ، فَلَوْ أَنَّ لَنا كَرَّةً فَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ، إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً وَما كانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ ، وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ).
لما كانت العرب لها خصوصية بإبراهيم عليهالسلام ، أمر الله نبيه صلىاللهعليهوسلم أن يتلو عليهم قصصه ، وما جرى له مع قومه. ولم يأت في قصة من قصص هذه السورة أمره عليهالسلام بتلاوة قصة إلا في هذه ، وإذ : العامل فيه. قال الحوفي : أتل ، ولا يتصور ما قال إلا بإخراجه عن الظرفية وجعله بدلا من نبأ ، واعتقاد أن العامل في البدل والمبدل منه واحد. وقال أبو البقاء : العامل في إذ نبأ. والظاهر أن الضمير في (وَقَوْمِهِ) عائد على إبراهيم. وقيل : على أبيه ، أي وقوم أبيه ، كما قال : (إِنِّي أَراكَ وَقَوْمَكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ) (١). وما : استفهام بمعنى التحقير والتقرير. وقد كان إبراهيم عليهالسلام يعلم أنهم عبدة أصنام ، ولكن سألهم ليريهم أن ما كانوا يعبدونه ليس مستحقا للعبادة ، لما ترتب على جوابهم من أوصاف معبوداتهم التي هي منافية للعبادة. ولما سألهم عن الذي يعبدونه ، ولم يقتصروا على ذكره فقط ، بل أجابوا بالفعل ومتعلقه وما عطف عليه من تمام صفتهم مع معبودهم ، فقالوا : (نَعْبُدُ أَصْناماً فَنَظَلُّ لَها عاكِفِينَ) : على سبيل الابتهاج والافتخار ، فأتوا بقصتهم معهم كاملة ، ولم يقتصروا على أن يجيبوا بقولهم : أصناما ، كما جاء : (ما ذا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ قالُوا خَيْراً) (٢) ، (وَيَسْئَلُونَكَ ما ذا يُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ) (٣) ، ولذلك عطفوا على ذلك الفعل قولهم : (فَنَظَلُ). قال : كما تقول لرئيس : ما تلبس؟ فقال : ألبس مطرف الخز فأجر ذيوله ، يريد الجواب : وحاله مع ملبوسه. وقالوا : فنظل ، لأنهم كانو يعبدونهم بالنهار دون الليل. ولما أجابوا إبراهيم ، أخذ يوقفهم على قلة عقولهم ، باستفهامه عن أوصاف مسلوبة عنهم لا يكون ثبوتها إلا لله تعالى.
__________________
(١) سورة الأنعام : ٦ / ٧٤.
(٢) سورة النحل : ١٦ / ٣٠.
(٣) سورة البقرة : ٢ / ٢١٩.