الاستفهام ، لأنهم لو قالوا : يسمعوننا وينفعوننا ويضروننا ، فضحوا أنفسهم بالكذب الذي لا يمتري فيه ، ولو قالوا : يسمعوننا ولا يضروننا ، أسجلوا على أنفسهم بالخطأ المحض ، فعدلوا إلى التقليد البحث لآبائهم في عبادتها من غير برهان ولا حجة. والكاف في موضع نصب بيفعلون ، أي يفعلون في عبادتهم تلك الأصنام مثل ذلك الفعل الذي يفعله ، وهو عبادتهم ؛ والحيدة عن الجواب من علامات انقطاع الحجة. وبل هنا إضراب عن جوابه لما سأل وأخذ في شيء آخر لم يسألهم عنه انقطاعا وإقرارا بالعجز.
(وَآباؤُكُمُ الْأَقْدَمُونَ) : وصفهم بالأقدمين دلالة على ما تقادم عبادة الأصنام فيهم ، وإذ كانوا قد عبدوها في زمان نوح عليهالسلام ، فزمان من بعده؟ وعدو : يكون للمفرد والجمع ، كما قال : (هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ) ، قيل : شبه بالمصدر ، كالقبول والولوع. قال الزمخشري : وإنما قال : (عَدُوٌّ لِي) ، تصورا للمسألة في نفسه على معنى : أي فكرت في أمري ، فرأيت عبادتي لها عبادة للعدو ، فاجتنبتها وآثرت عبادة من الخير كله منه ، وأراهم بذلك أنها نصيحة نصح بها نفسه أولا ، وبنى عليها تدبير أمره ، لينظروا ويقولوا : ما نصحنا إبراهيم إلا بما نصح به نفسه ، وما أراد لنا إلا ما أراد لروحه ، ليكون أدنى لهم إلى القبول ، وأبعث على الاستماع منه. ولو قال : فإنه عدو لكم ، لم يكن بتلك المثابة ، ولأنه دخل في باب من التعريض ، وقد يبلغ التعريض للمنصوح. ما لا يبلغ التصريح ، لأنه ربما يتأمل فيه ، فربما قاده التأميل إلى التقبل. ومنه ما يحكى عن الشافعي رضياللهعنه ، أن رجلا واجهه بشيء فقال : لو كنت بحيث أنت لاحتجت إلى أدب ؛ وسمع رجل ناسا يتحدثون عن الحجر فقال : ما هو بيتي ولا بيتكم. انتهى. وهو كلام فيه تكثير على عادته ، وذهاب من ذهب إلى أن قوله : (فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي) ، من المقلوب والأصل : فإني عدو لهم ، لأن الأصنام لا تعادي لكونها جمادا ، وإنما هو عاداها ليس بشيء ولا ضرورة تدعو إلى ذلك. ألا ترى إلى قوله : (كَلَّا سَيَكْفُرُونَ بِعِبادَتِهِمْ وَيَكُونُونَ عَلَيْهِمْ ضِدًّا) ، فهذا معنى العداوة ، ولأن المغري على عداوتها عدو الإنسان ، وهو الشيطان. وقيل : لأنه تعالى يحيي ما عبدوه من الأصنام حتى يبترؤوا من عبدتهم ويوبخوهم. وقيل : هو على حذف ، أي : فإن عبادهم عدو لي. والظاهر إقرار الاستثناء في موضعه من غير تقديم ولا تأخير. وقال الجرجاني : تقديره : أفرأيتم ما كنتم تعبدون أنتم وآباؤكم الأقدمون إلا رب العالمين ، فإنهم عدو لي ، وإلا : بمعنى دون وسوى. انتهى. فجعله مستثنى مما بعد كنتم تعبدون ، ولا حاجة إلى هذا التقدير لصحة أن يكون مستثنى من قوله : (فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي). وجعله جماعة منهم الفراء ،