وقتادة : مبنيا للمفعول. ويقال : خلد الشيء وأخلده : غيره. وقرأ أبيّ ، وعلقمة ، وأبو العالية ، مبنيا للمفعول مشددا ، كما قال الشاعر :
وهل ينعمن إلا سعيد مخلد |
|
قليل الهموم ما يبيت بأوجال |
(وَإِذا بَطَشْتُمْ) : أي أردتم البطش ، وحمل على الإرادة لئلا يتحد الشرط وجوابه ، كقوله :
متى تبعثوها تبعثوها ذميمة
أي متى أردتم بعثها. قال الحسن : بادروا تعذيب الناس من غير تثبت ولا فكر في العواقب. وقيل : المعنى أنكم كفار الغضب ، لكم السطوات المفرطة والبوادر. فبناء الأبنية العالية تدل على حب العلو ، واتخاذ المصانع رجاء الخلود يدل على البقاء ، والجبارية تدل على التفرد بالعلو ، وهذه صفات الإلهية ، وهي ممتنعة الحصول للعبد. ودل ذلك على استيلاء حب الدنيا عليهم بحيث خرجوا عن حد العبودية ، وحب الدنيا رأس كل خطيئة. ولما نبههم ووبخهم على أفعالهم القبيحة ، أمرهم ثانيا بتقوى الله وطاعة نبيه. ثم أمرهم ثالثا بالتقوى تنبيها لهم على إحسانه تعالى إليهم ، وسبوغ نعمته عليهم. وأبرز صلة (الَّذِي) متعلقة بعلمهم ، تنبيها لهم وتحريضا على الطاعة والتقوى ، إذ شكر المحسن واجب ، وطاعته متعينة ، ومشيرا إليهم بأن من أمد بالإحسان هو قادر على سلبه ، وعلى تعذيب من لم يتقه ، إذ هذا الإمداد ليس من جهتكم ، وإنما هو من تفضله تعالى عليكم بحيث أتبعكم إحسانه شيئا بعد شيء. ولما أتى بذكر ما أمدهم به مجملا محالا على علمهم ، أتى به مفصلا. فبدأ بالأنعام ، وهي التي تحصل بها الرئاسة في الدنيا ، والقوة على من عاداهم ، والغنى هو السبب في حصول الذرية غالبا لوجده. وبحصول القوة أيضا بالبنين ، فلذلك قرنهم بالأنعام ، ولأنهم يستعينون بهم في حفظها والقيام عليها. واتبع ذلك بالبساتين والمياه المطردة ، إذ الإمداد بذلك من إتمام النعمة.
و (بِأَنْعامٍ) : ذهب بعض النحويين إلى أنه بدل من قوله : (بِما تَعْلَمُونَ) ، وأعيد العامل كقوله : (اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ اتَّبِعُوا مَنْ لا يَسْئَلُكُمْ) (١). والأكثرون لا يجعلون مثل هذا بدلا وإنما هو عندهم من تكرار الجمل ، وإن كان المعنى واحدا ، ويسمى التتبيع ، وإنما يجوز أن يعاد عندهم العامل إذا كان حرف جر دون ما يتعلق به ، نحو : مررت بزيد بأخيك ،
__________________
(١) سورة يس : ٣٦ / ٢٠ ـ ٢١.