الصواب أن يجيز ، ثم مادّة ل ي ك لم يوجد منها تركيب ، فهي مادّة مهملة. كما أهملوا مادّة خ ذ ج منقوطا ، وهذه نزغة اعتزالية ، يعتقدون أن بعض القراءة بالرأي لا بالرواية ، وهذه قراءة متواترة لا يمكن الطعن فيها ، ويقرب إنكارها من الردّة ، والعياذ بالله. أما نافع ، فقرأ على سبعين من التابعين ، وهم عرب فصحاء ، ثم هي قراءة أهل المدينة قاطبة. وأما ابن كثير ، فقرأ على سادة التابعين ممن كان بمكة ، كمجاهد وغيره ، وقد قرأ عليه إمام البصرة أبو عمرو بن العلاء ، وسأله بعض العلماء : أقرأت على ابن كثير؟ قال : نعم ، ختمت على ابن كثير بعد ما ختمت على مجاهد ، وكان ابن كثير أعلم من مجاهد باللغة. قال أبو عمرو : ولم يكن بين القراءتين كبير يعني خلافا. وأما ابن عامر فهو إمام أهل الشام ، وهو عربي قح ، قد سبق اللحن ، أخذ عن عثمان ، وعن أبي الدرداء وغيرهما. فهذه أمصار ثلاثة اجتمعت على هذه القراءة الحرمان مكة والمدينة والشام ، وأما كون هذه المادّة مفقودة في لسان العرب ، فإن صح ذلك كانت الكلمة عجمية ، ومواد كلام العجم مخالفة في كثير مواد كلام العرب ، فيكون قد اجتمع على منع صرفها العلمية والعجمة والتأنيث.
وتقدم مدلول الأيكة في الحجر ، وكان شعيب عليهالسلام من أهل مدين ، فلذلك جاء : (وَإِلى مَدْيَنَ أَخاهُمْ شُعَيْباً) (١). ولم يكن من أهل الأيكة ، فلذلك قال هنا : (إِذْ قالَ لَهُمْ شُعَيْبٌ). ومن غريب النقل ما روي عن ابن عباس ، أن (أَصْحابُ الْأَيْكَةِ) هم أصحاب مدين ، وعن غيره ، أن (أَصْحابُ الْأَيْكَةِ) هم أهل البادية ، وأصحاب مدين هم الحاضرة. وروي في الحديث : «أن شعيبا أخا مدين أرسل إليهم وإلى أصحاب الأيكة ، أمرهم بإيفاء الكيل ، وهو الواجب ، ونهاهم عن الإخسار ، وهو التطفيف ، ولم يذكر الزيادة على الواجب ، لأن النفوس قد تشح بذلك فمن فعله فقد أحسن ، ومن تركه فلا حرج». وتقدم تفسير القسطاس في سورة الإسراء. وقال الزمخشري : إن كان من القسط ، وهو العدل ، وجعلت العين مكررة ، فوزنه فعلاء ، وإلا فهو رباعي. انتهى. ولو تكرر ما يماثل العين في النطق ، لم يكن عند البصريين إلا رباعيا. وقال ابن عطية : هو مبالغة من القسط. انتهى. والظاهر أن قوله : (وَزِنُوا) ، هو أمر بالوزن ، إذ عادل قوله : (أَوْفُوا الْكَيْلَ) ، فشمل ما يكال وما يوزن مما هو معتاد فيه ذلك. وقال ابن عباس ومجاهد : معناه عدلوا أموركم كلها بميزان العدل الذي جعله الله لعباده.
(وَلا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْياءَهُمْ) : الجملة والتي تليها تقدم الكلام عليهما. ولما تقدم
__________________
(١) سورة الأعراف : ٧ / ٨٥ ، وسورة هود : ١١ / ٨٤ ، وسورة العنكبوت : ٢٩ / ٣٦.