ظاهر مكشوف ونكر. (وَكِتابٍ مُبِينٍ) ، ليبهم بالتنكير ، فيكون أفخم له كقوله : (فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ) (١). وإذا أريد به القرآن ، فعطفه من عطف إحدى الصفتين على الأخرى ، لتغايرهما في المدلول عليه بالصفة ، من حيث أن مدلول القرآن الاجتماع ، ومدلول كتاب الكتابة. وقيل : القرآن والكتاب اسمان علمان على المنزل على محمد صلىاللهعليهوسلم ، فحيث جاء بلفظ التعريف ، فهو العلم ، وحيث جاء بوصف النكرة ، فهو الوصف ، وقيل : هما يجريان مجرى العباس ، وعباس فهو في الحالين اسم العلم. انتهى. وهذا خطأ ، إذ لو كان حاله نزع منه علما ، ما جاز أن يوصف بالنكرة. ألا ترى إلى قوله : (وَكِتابٍ مُبِينٍ) ، (وَقُرْآنٍ مُبِينٍ) (٢) ، وأنت لا تقول : مررت بعباس قائم ، تريد به الوصف؟ وقرأ ابن أبي عبلة : وكتاب مبين ، برفعهما ، التقدير : وآيات كتاب ، فحذف المضاف ، وأقيم المضاف إليه مقامه ، فأعرب بإعرابه. وهنا تقدم القرآن على الكتاب ، وفي الحجر عكسه ، ولا يظهر فرق ، وهذا كالمتعاطفين في نحو : ما جاء زيد وعمرو. فتارة يظهر ترجيح كقوله : (شَهِدَ اللهُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُولُوا الْعِلْمِ) (٣) ، وتارة لا يظهر كقوله : (وَقُولُوا حِطَّةٌ وَادْخُلُوا الْبابَ سُجَّداً) (٤).
قال يحيى بن سلام : (هُدىً) إلى الجنة ، (وَبُشْرى) بالثواب. وقال الشعبي : هدى من الضلال ، وبشرى بالجنة ، وهدى وبشرى مقصوران ، فاحتمل أن يكونا منصوبين على الحال ، أي هادية ومبشرة. قيل : والعامل في الحال ما في تلك من معنى الإشارة ، واحتمل أن يكونا مصدرين ، واحتملا الرفع على إضمار مبتدأ. أي هي هدى وبشرى ؛ أو على البدل من آيات ؛ أو على خبر بعد خبر ، أي جمعت بين كونها آيات وهدى وبشرى. ومعنى كونها هدى للمؤمنين : زيادة هداهم. قال تعالى : (فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزادَتْهُمْ إِيماناً وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ) (٥). وقيل : هدى لجميع الخلق ، ويكون الهدى بمعنى الدلالة والإرشاد والتبيين ، لا بمعنى تحصيل الهدى الذي هو مقابل الضلال. (وَبُشْرى لِلْمُؤْمِنِينَ) خاصة ، وقيل : هدى للمؤمنين وبشرى للمؤمنين ، وخصهم بالذكر لانتفاعهم به.
(وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ) : تحتمل هذه الجملة أن تكون معطوفة على صلة (الَّذِينَ). ولما كان : (يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ) مما يتجدد ولا يستغرق الأزمان ، جاءت
__________________
(١) سورة القمر : ٥٤ / ٥٥.
(٢) سورة الحجر : ١٥ / ١.
(٣) سورة آل عمران : ٣ / ١٨.
(٤) سورة الأعراف : ٧ / ١٦١.
(٥) سورة التوبة : ٩ / ١٢٤.