و (مَنْ) : المشهور أنها لمن يعلم ، فقال ابن عباس ، وابن جبير ، والحسن وغيرهم : أراد تعالى بمن في النار ذاته ، وعبر بعضهم بعبارات شنيعة مردودة بالنسبة إلى الله تعالى. وإذا ثبت ذلك عن ابن عباس ومن ذكر أول على حذف ، أي بورك من قدرته وسلطانه في النار. وقيل لموسى عليهالسلام : أي بورك من في المكان أو الجهة التي لاح له فيها النار. وقال السدّي : من للملائكة الموكلين بها. وقيل : من تقع هنا على ما لا يعقل. فقال ابن عباس : أراد النور. وقيل : الشجرة التي تتقد فيها النار. وقيل : والظاهر في (وَمَنْ حَوْلَها) أنه لمن يعلم تفسير (يا مُوسى) ، وفسر بالملائكة ، ويدل عليه قراءة أبي ؛ فيما نقل أبو عمرو الداني : وابن عباس ، ومجاهد ، وعكرمة ؛ ومن حولها من الملائكة ، وتحمل هذه القراءة على التفسير ، لأنها مخالفة لسواد المصحف المجمع عليه ، وفسر أيضا بموسى والملائكة عليهمالسلام معا. وقيل : تكون لما لا يعقل ، وفسر بالأمكنة التي حول النار ؛ وجدير أن يبارك من فيها ومن حواليها إذا حدث أمر عظيم ، وهو تكليم الله لموسى عليهالسلام ؛ وتنبيئه وبدؤه بالنداء بالبركة تبشير لموسى وتأنيس له ومقدمة لمناجاته.
والظاهر أن قوله : (وَسُبْحانَ اللهِ رَبِّ الْعالَمِينَ) داخل تحت قوله : (نُودِيَ).
لما نودي ببركة من ذكر ، نودي أيضا بما يدل على التنزيه والبراءة من صفات المحدثين مما عسى أن يخطر ببال ، ولا سيما إن حمل من في النار على تفسير ابن عباس أن من أريد به الله تعالى ، فإن ذلك دال على التحيز ، فأتى بما يقتضي التنزيه. وقال السدّي : هو من كلام موسى ، لما سمع النداء قال : (وَسُبْحانَ اللهِ رَبِّ الْعالَمِينَ) تنزيها لله تعالى عن سمات المحدثين. وقال ابن شجرة : هو من كلام الله ، ومعناه : وبورك من سبح الله ، وهذا بعيد من دلالة اللفظ. وقيل : (وَسُبْحانَ اللهِ رَبِّ الْعالَمِينَ) خطاب لمحمد عليه الصلاة والسلام ، وهو اعتراض بين الكلامين ، والمقصود به التنزيه.
ولما آنسه تعالى ، ناداه وأقبل عليه فقال : (يا مُوسى إِنَّهُ أَنَا اللهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ). والظاهر أن الضمير في إنه ضمير الشأن ، وأنا الله : جملة في موضع الخبر ، والعزيز الحكيم : صفتان ، وأجاز الزمخشري أن يكون الضمير في إنه راجعا إلى ما دل عليه ما قبله ، يعني : إن مكلمك أنا ، والله بيان لأنا ، والعزيز الحكيم صفتان للبيان. انتهى. وإذا حذف الفاعل وبني الفعل للمفعول ، فلا يجوز أن يعود الضمير على ذلك المحذوف ، إذ قد غير الفعل عن بنائه له ، وعزم على أن لا يكون محدثا عنه. فعود الضمير إليه مما ينافي ذلك ، إذ يصير مقصودا معتنى به ، وهذا النداء والإقبال والمخاطبة تمهيد لما أراد الله تعالى