ذلك لأمر أريد به ، ويدل عليه : (إِنِّي لا يَخافُ لَدَيَّ الْمُرْسَلُونَ). انتهى. وقال ابن عطية : وناداه الله تعالى مؤنسا ومقويا على الأمر : (يا مُوسى لا تَخَفْ) ، فإن رسلي الذين اصطفيتم للنبوة لا يخافون غيري. فأخذ موسى عليهالسلام الحية ، فرجعت عصا ، ثم صارت له عادة. انتهى. وقيل : المعنى لا يخاف المرسلون في الموضع الذي يوحى إليه فيه ، وهم أخوف الناس من الله. وقيل : إذا أمرتهم بإظهار معجز ، فينبغي أن لا يخافوا فيما يتعلق بإظهار ذلك ، فالمرسل يخاف الله لا محالة. انتهى.
والأظهر أن قوله : (إِلَّا مَنْ ظَلَمَ) ، استثناء منقطع ، والمعنى : لكن من ظلم غيرهم ، قاله الفراء وجماعة ، إذ الأنبياء معصومون من وقوع الظلم الواقع من غيرهم. وعن الفراء : إنه استثناء متصل من جمل محذوفة ، والتقدير : وإنما يخاف غيرهم إلا من ظلم. ورده النحاس وقال : الاستثناء من محذوف محال ، لو جاز هذا لجاز أن لا يضرب القوم إلا زيدا ، بمعنى : وإنما أضرب غيرهم إلا زيدا ، وهذا ضد البيان والمجيء بما لا يعرف معناه. انتهى. وقالت فرقة : إلا بمعنى الواو ، والتقدير : ولا من ظلم ، وهذا ليس بشيء ، لأن معنى إلا مباين لمعنى الواو مباينة كثيرة ، إذ الواو للإدخال ، وإلا للإخراج ، فلا يمكن وقوع أحدهما موقع الآخر. وروي عن الحسن ، ومقاتل ، وابن جريج ، والضحاك ، ما يقتضي أنه استثناء متصل.
قال ابن عطية : وأجمع العلماء على أن الأنبياء عليهم الصلاة والسلام معصومون من الكبائر ومن الصغائر التي هي رذائل ، واختلف فيما عداها ، فعسى أن يشير الحسن وابن جريج إلى ما عدا ذلك. انتهى. وقال الزمخشري : وإلا بمعنى لكن ، لأنه لما أطلق نفي الخوف عن المرسل كان ذلك مظنة لطرو الشبهة فاستدرك ذلك ، والمعنى : ولكن من ظلم منهم ، أي فرطت منهم صغيرة مما لا يجوز على الأنبياء ، كالذي فرط من آدم ويونس وداود وسليمان وإخوة يوسف ، ومن موسى ، بوكزة القبطي. ويوشك أن يقصد بهذا التعريض ما وجد من موسى ، وهو من التعريضات التي يلطف مأخذها ، وسماه ظلما ؛ كما قال موسى : (رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي) (١). انتهى. وقرأ أبو جعفر ، وزيد بن أسلم : ألا من ظلم ، بفتح الهمزة وتخفيف اللام ، حرف استفتاح. ومن : شرطية. والحسن : حسن التوبة ، والسوء : الظلم الذي ارتكبه. وقرأ الجمهور : حسنا ، بضم الحاء وإسكان السين
__________________
(١) سورة القصص : ٢٨ / ١٦.