وأسند التزيين إلى الشيطان ، إذ كان هو المتسبب في ذلك بأقدار الله تعالى. (فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ) ، أي الشيطان ، أو تزيينه عن السبيل وهو الإيمان بالله وإفراده بالعبادة. (فَهُمْ لا يَهْتَدُونَ) ، أي إلى الحق. وقرأ ابن عباس ، وأبو جعفر ، والزهري ، والسلمي ، والحسن ، وحميد ، والكسائي : ألا ، بتخفيف لام الألف ، فعلى هذا له أن يقف على : (فَهُمْ لا يَهْتَدُونَ) ، ويبتدىء على : (أَلَّا يَسْجُدُوا). قال الزمخشري : وإن شاء وقف على ألا يا ، ثم ابتدأ اسجدوا ، وباقي السبعة : بتشديدها ، وعلى هذا يصل قوله : (فَهُمْ لا يَهْتَدُونَ) بقوله : (أَلَّا يَسْجُدُوا). وقال الزمخشري : وفي حرف عبد الله ، وهي قراءة الأعمش : هلا وهلا ، بقلب الهمزتين هاء ، وعن عبد الله : هلا يسجدون ، بمعنى : ألا تسجدون ، على الخطاب. وفي قراءة أبي : ألا تسجدون لله الذي يخرج الخبء من السماء والأرض ويعلم سركم وما تعلنون ، انتهى. وقال ابن عطية : وقرأ الأعمش : هلا يسجدون ؛ وفي حرف عبد الله : ألا هل تسجدون ، بالتاء ، وفي قراءة أبي : ألا تسجدون ، بالتاء أيضا ؛ فأما قراءة من أثبت النون في يسجدون ، وقرأ بالتاء أو الياء ، فتخريجها واضح. وأما قراءة باقي السبعة فخرجت على أن قوله : (أَلَّا يَسْجُدُوا) في موضع نصب ، على أن يكون بدلا من قوله : (أَعْمالَهُمْ) ، أي فزين لهم الشيطان أن لا يسجدوا. وما بين المبدل منه والبدل معترض ، أو في موضع جر ، على أن يكون بدلا من السبيل ، أي نصدهم عن أن لا يسجدوا. وعلى هذا التخريج تكون لا زائدة ، أي فصدهم عن أن يسجدوا لله ، ويكون (فَهُمْ لا يَهْتَدُونَ) معترضا بين المبدل منه والبدل ، ويكون التقدير : لأن لا يسجدوا. وتتعلق اللام إما بزين ، وإما بقصدهم ، واللام الداخلة على أن داخلة على مفعول له ، أي علة تزيين الشيطان لهم ، أو صدهم عن السبيل ، هي انتفاء سجودهم لله ، أو لخوفه أن يسجدوا لله. وقال الزمخشري : ويجوز أن تكون لا مزيدة ، ويكون المعنى فهم لا يهتدون إلى أن يسجدوا. انتهى. وأما قراءة ابن عباس ومن وافقه ، فخرجت على أن تكون ألا حرف استفتاح ، ويا حرف نداء ، والمنادى محذوف ، واسجدوا فعل أمر ، وسقطت ألف يا التي للنداء ، وألف الوصل في اسجدوا ، إذ رسم المصحف يسجدوا بغير ألفين لما سقطا لفظا سقطا خطا. ومجيء مثل هذا التركيب موجود في كلام العرب. قال الشاعر :
ألا يا اسلمي ذات الدمالج والعقد
وقال :
ألا يا اسقياني قبل غارة سنجال