شريف بارع المعنى مبدوء به في الكتب في كل لغة وكل شرع. وأن في قوله : (أَنْ لا تَعْلُوا) ، قيل : في موضع رفع على البدل من كتاب. وقيل : في موضع نصب على معنى بأن لا تعلوا ، وعلى هذين التقديرين تكون أن ناصبة للفعل. وقال الزمخشري : وأن في (أَنْ لا تَعْلُوا عَلَى) مفسرة ، فعلى هذا تكون لا في لا تعلوا للنهي ، وهو حسن لمشاكلة عطف الأمر عليه. وجوز أبو البقاء أن يكون التقدير هو أن لا تعلوا ، فيكون خبر مبتدأ محذوف. ومعنى لا تعلوا : لا تتكبروا ، كما يفعل الملوك. وقرأ ابن عباس ، في رواية وهب بن منبه والأشهب العقيلي : أن لا تغلوا ، بالغين المعجمة ، أي ألا تتجاوزوا الحد ، وهو من الغلو. والظاهر أنه طلب منهم أن يأتوه وقد أسلموا ، وتركوا الكفر وعبادة الشمس. وقيل : معناه مذعنين مستسلمين من الانقياد والدخول في الطاعة ، وما كتبه سليمان في غاية الإيجاز والبلاغة ، وكذلك كتب الأنبياء.
والظاهر أن الكتاب هو ما نص الله عليه فقط. واحتمل أن يكون مكتوبا بالعربي ، إذ الملوك يكون عندهم من يترجم بعدة ألسن ، فكتب بالخط العربي واللفظ العربي ، لأنها كانت عربية من نسل تبع بن شراحيل الحميري. واحتمل أن يكون باللسان الذي كان سليمان يتكلم به ، وكان عندها من يترجم لها ، إذ كانت هي عارفة بذلك اللسان. وروي أن نسخة الكتاب من عبد الله سليمان بن داود إلى بلقيس ملكة سبأ : السلام على من اتبع الهدى ، أما بعد ، فلا تعلوا عليّ وائتوني مسلمين. وكانت كتب الأنبياء جملا لا يطيلون ولا يكثرون ، وطبع الكتاب بالمسك ، وختمه بخاتمه. وروي أنه لم يكتب أحد بسم الله الرحمن الرحيم قبل سليمان ، ولما قرأت على الملأ الكتاب ، ورأت ما فيه من الانتقال إلى سليمان ، استشارتهم في أمرها. قال قتادة : وكان أولو مشورتها ثلاثمائة واثني عشر ، وعنه : وثلاثة عشر ، كل رجل منهم على عشرة آلاف ، وكانت بأرض مأرب من صنعاء على ثلاثة أيام ، وذكر عن عسكرها ما هو أعظم وأكثر من هذا ، والله أعلم بذلك. وتقدم الكلام في الفتوى في سورة يوسف ، والمراد هنا : أشيروا عليّ بما عندكم في ما حدث لها من الرأي السديد والتدبير. وقصدت بإشارتهم : استطلاع آرائهم واستعطافهم وتطييب أنفسهم ليمالئوها ويقوموا.
(ما كُنْتُ قاطِعَةً أَمْراً) : أي مبرمة وفاصلة أمرا ، (حَتَّى تَشْهَدُونِ) : أي تحضروا عندي ، فلا أستبد بأمر ، بل تكونون حاضرين معي. وفي قراءة عبد الله : ما كنت قاضية أمرا ، أي لا أبت إلا وأنتم حاضرون معي. وما كنت قاطعة أمرا ، عام في كل أمر ، أي إذا