الهدية ، بل جوزت الرد ، وأرادت بذلك أن ينكشف لها غرض سليمان. والهدية : اسم لما يهدى ، كالعطية هي اسم لما يعطى. وروي أنها قالت لقومها : إن كان ملكا دنياويا ، أرضاه المال وعملنا معه بحسب ذلك ، وإن كان نبيا ، لم يرضه المال وينبغي أن نتبعه على دينه ، وفي الكلام حذف تقديره : فأرسلت الهدية ، فلما جاء ، أي الرسول سليمان ، والمراد بالرسول الجنس لا حقيقة المفرد ، وكذلك الضمير في ارجع والرسول يقع على الجمع والمفرد والمذكر والمؤنث. وقرأ عبد الله : فلما جاءوا ، وقرأ : ارجعوا ، جعله عائدا على قوله : (الْمُرْسَلُونَ). و (أَتُمِدُّونَنِ بِمالٍ) : استفهام إنكار واستقلال ، وفي ذلك دلالة على عزوفه عن الدنيا ، وعدم تعلق قلبه عليه الصلاة والسلام بها.
ثم ذكر نعمة الله عليه ، وإن ما آتاه الله من النبوة وسعة الملك خير مما آتاكم ، بل أنتم بما يهدى إليكم تفرحون بحبكم الدنيا ، والهدية تصح إضافتها إلى المهدي وإلى المهدى إليه ، وهي هنا مضافة للمهدى إليه ، وهذا هو الظاهر. ويجوز أن تكون مضافة إلى المهدي ، أي بل أنتم بهديتكم هذه التي أهديتموها تفرحون فرح افتخار على الملوك ، فإنكم قدرتم على إهداء مثلها. ويجوز أن تكون عبارة عن الرد ، كأنه قال : بل أنتم من حقكم أن تأخذوا هديتكم وتفرحوا بها. وقرأ جمهور السبعة : أتمدونني ، بنونين ، وأثبت بعض الياء. وقرأ حمزة : بإدغام نون الرفع في نون الوقاية وإثبات ياء المتكلم. وقرأ المسيبي ، عن نافع : بنون واحدة خفيفة. وقال الزمخشري : فإن قلت : ما الفرق بين قولك : أتمدونني بمال وأنا أغنى منكم ، وبين أن يقوله بالفاء؟ قلت : إذا قلته بالواو ، فقد جعلت مخاطبي عالما بزيادتي عليه في الغنى ، وهو مع ذلك يمدني بالمال ، وإذا قلته بالفاء ، فقد جعلته ممن خفيت عنه حالي ، وأنا أخبره الساعة بما لا أحتاج معه إلى إمداده ، كأني أقول له : أنكر عليك ما فعلت ، فإني غني عنه. وعليه ورد قوله : (فَما آتانِيَ اللهُ). فإن قلت : فما وجه الإضراب؟ قلت : لما أنكر عليهم الإمداد وعلل إنكاره ، أضرب عن ذلك إلى بيان السبب الذي حملهم عليه ، وهو أنهم لا يعرفون سبب رضا ولا فرح إلا أن يهدى إليهم حظ من الدنيا التي لا يعلمون غيرها. انتهى.
(ارْجِعْ إِلَيْهِمْ) : هو خطاب للرسول الذي جاء بالهدية ، وهو المنذر بن عمرو أمير الوفد ، والمعنى : ارجع إليهم بهديتهم ، وتقدمت قراءة عبد الله : ارجعوا إليهم ، وارجعوا هنا لا تتعدى ، أي انقلبوا وانصرفوا إليهم. وقيل : الخطاب بقوله : ارجع ، للهدهد محملا كتابا آخر. ثم أقسم سليمان فقال : (فَلَنَأْتِيَنَّهُمْ بِجُنُودٍ) ، متوعدا لهم ، وفيه حذف ، أي إن