في قصد سليمان استدعاء عرشها. فقال قتادة ، وابن جريج : لما وصف له عظم عرشها وجودته ، أراد أخذه قبل أن يعصمها وقومها الإسلام ويمنع أخذ أموالهم ، والإسلام على هذا الدين ، وهذا فيه بعد أن يقع ذلك من نبي أوتي ملكا لم يؤته غيره. وقال ابن عباس ، وابن زيد : استدعاه ليريها القدرة التي هي من عند الله ، وليغرب عليها سليمان والإسلام على هذا الاستسلام. وأشار الزمخشري لقول فقال : ولعله أوحي إليه عليهالسلام باستيثاقها من عرشها ، فأراد أن يغرب عليها ويريها بذلك بعض ما خصه به من إجراء العجائب على يده ، مع اطلاعها على عظيم قدرة الله تعالى ، وعلى ما يشهد لنبوة سليمان ويصدقها. انتهى. وقال الطبري : أراد أن يختبر صدق الهدهد في قوله : (وَلَها عَرْشٌ عَظِيمٌ) ، وهذا فيه بعد ، لأنه قد ظهر صدقة في حمل الكتاب ، وما ترتب على حمله من مشورة بلقيس قومها وبعثها بالهدية. وقيل : أراد أن يؤتي به ، فينكر ويغير ، ثم ينظر أتثبته أم تنكره ، اختبارا لعقلها. والظاهر ترتيب هذه الأخبار على حسب ما وقعت في الوجود ، وهو قول الجمهور. وعن ابن عباس أنه قال : (أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِها)؟ حين ابتدأ النظر في صدق الهدهد من كذبه لما قال : (وَلَها عَرْشٌ عَظِيمٌ). ففي ترتيب القصص تقديم وتأخير ، وفي قوله : (أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِها) دليل على جواز الاستعانة ببعض الأتباع في مقاصد الملوك ، ودليل على أنه قد يخص بعض أتباع الأنبياء بشيء لا يكون لغيرهم ، ودليل على مبادرة من طلبه منه الملوك قضاء حاجة ، وبداءة الشياطين في التسخير على الإنس ، وقدرتهم بأقدار الله على ما يبعد فعله من الإنس. وقرأ الجمهور : عفريت ، وأبو حيوة : بفتح العين. وقرأ أبو رجاء ، وأبو السماك ، وعيسى ، ورويت عن أبي بكر الصديق : عفرية ، بكسر العين ، وسكون الفاء ، وكسر الراء ، بعدها ياء مفتوحة ، بعدها تاء التأنيث. وقال ذو الرمة :
كأنه كوكب في إثر عفرية |
|
مصوّب في سواد الليل مقتضب |
وقرأت فرقة : عفر ، بلا ياء ولا تاء ، ويقال في لغة طيىء وتميم : عفراة بالألف وتاء التأنيث ، وفيه لغة سادسة عفارية ، ويوصف بها الرجل ، ولما كان قد يوصف به الإنس خص بقوله من الجن. وعن ابن عباس : اسمه صخر. وقيل : كوري. وقيل : ذكران. و (آتِيكَ) : يحتمل أن يكون مضارعا واسم فاعل. وقال قتادة ، ومجاهد ، ووهب : (مِنْ مَقامِكَ) : أي من مجلس الحكم ، وكان يجلس من الصبح إلى الظهر في كل يوم. وقيل : قبل أن تستوي من جلوسك قائما. (وَإِنِّي عَلَيْهِ) : أي على الإتيان به لقوي على حمله ؛