للأول لقولهم : اثرد ، وأصله اثترد من الثرد ، والهمزة المحذوفة المنقول حركتها إلى اللام هي همزة الاستفهام ، أدخلت على ألف الوصل فانحذفت ألف الوصل ، ثم انحذفت هي وألقيت حركتها على لام بل. وقرأ أبو رجاء والأعرج ، وشيبة ، وطلحة ، وتوبة العنبري : كذلك ، إلا أنهم كسروا لام بل ؛ وروي ذلك عن ابن عباس ، وعاصم ، والأعمش. وقرأ ابن كثير ، وأبو عمرو ، وأبو جعفر ، وأهل مكة : بل أدرك ، على وزن أفعل ، بمعنى تفاعل ، ورويت عن أبي بكر ، عن عاصم. وقرأ عبد الله في رواية ، وابن عباس في رواية ، وابن أبي جمرة ، وغيره عنه ، والحسن ، وقتادة ، وابن محيصن : بل آدرك ، بمدة بعد همزة الاستفهام ، وأصله أأدرك ، فقلب الثانية ألفا تخفيفا ، كراهة الجمع بين همزتين ، وأنكر أبو عمرو بن العلاء هذه الرواية ووجهها. وقال أبو حاتم : لا يجوز الاستفهام بعد بل ، لأن بل إيجاب ، والاستفهام في هذا الموضع إنكار بمعنى : لم يكن كقوله تعالى : (أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ) (١) ، أي لم يشهدوا ، فلا يصح وقوعهما معا للتنافي الذي بين الإيجاب والإنكار. انتهى. وقد أجاز بعض المتأخرين الاستفهام بعد بل ، وشبهه بقول القائل : أخبزا أكلت بل أماء شربت؟ على ترك الكلام الأول والأخذ في الثاني. وقرأ مجاهد : أم أدرك ، جعل أم بدل بل ، وأدرك على وزن أفعل. وقرأ ابن عباس أيضا : بل ادّارك ، بهمزة داخلة على ادارك ، فيسقط همزة الوصل المجتلبة ، لأجل الإدغام والنطق بالساكن. وقرأ ابن مسعود أيضا : بل أأدرك ، بهمزتين ، همزة الاستفهام وهمزة أفعل. وقرأ الحسن أيضا ، والأعرج : بل أدرك ، بهمزة وإدغام فاء الكلمة ، وهي الدال في تاء افتعل ، بعد صيرورة التاء دالا. وقرأ ورش في رواية : بل ادّرك ، بحذف همزة أدرك ونقل حركتها إلى اللام. وقرأ ابن عباس أيضا : بلى أدرك ، بحرف الإيجاب الذي يوجب به المستفهم المنفي. وقرىء : بل آأدرك ، بألف بين الهمزتين. فأما قراءة من قرأ بالاستفهام ، فقال ابن عباس : هو للتقريع بمعنى لم يدرك علمهم على الإنكار عليهم. وقال الزمخشري : هو استفهام على وجه الإنكار لإدراك علمهم ، وكذلك قراءة من قرأ : أم ادّرك ، وأم تدارك ، لأنها أم التي بمعنى بل والهمزة. انتهى. وقال ابن عطية : هو على معنى الهزء بالكفرة والتقرير لهم على ما هو في غاية البعد عنهم ، أي اعلموا أمر الآخرة وادّركها علمهم. وأما قراءة من قرأ على الخبر ، فقال ابن عباس : المعنى : بل تدارك علمهم ما جهلوه في الدنيا ، أي علموه في الآخرة ، بمعنى : تكامل علمهم في الآخرة بأن كل ما وعدوا به حق ، وهذا حقيقة إثبات العلم لهم ،
__________________
(١) سورة الزخرف : ٤٣ / ١٩.