أن يسمع ، لم يذكر له متعلق ، بل نفي الإسماع ، أي لا يقع منك إسماع لهم البتة لعدم القابلية. وأما الأصم فقد يكون في وقت يمكن إسماعه وسماعه ، فأتى بمتعلق الفعل وهو الدعاء. وإذا معمولة لتسمع ، وقيد نفي الإسماع أو السماع بهذا الطرف وما بعده على سبيل التأكيد لحال الأصم ، لأنه إذا تباعد عن الداعي بأن يولي مدبرا ، كان أبعد عن إدراك صوته.
شبههم أولا بالموتى ، ثم بالصم في حالة ، ثم بالعمي ، فقال : (وَما أَنْتَ بِهادِي الْعُمْيِ) حيث يضلون الطريق ، فلا يقدر أحد أن ينزع ذلك عنهم ويحولهم هداة بصراء إلا الله تعالى. وقرأ الجمهور : بهادي العمى ، اسم فاعل مضاف ؛ ويحيى بن الحارث ، وأبو حيوة : بهاد ، منونا العمي ؛ والأعمش ، وطلحة ، وابن وثاب ، وابن يعمر ، وحمزة : تهدي ، مضارع هدي ، العمي بالنصب ؛ وابن مسعود : وما أنت تهتدي ، بزيادة أن بعد ما ، ويهتدي مضارع اهتدى ، والعمي بالرفع ، والمعنى : ليس في وسعك إدخال الهدى في قلب من عمي عن الحق ولم ينظر إليه بعين قلبه. (إِنْ تُسْمِعُ إِلَّا مَنْ يُؤْمِنُ بِآياتِنا) ، وهم الذين علم الله أنهم يصدقون بآياته. (فَهُمْ مُسْلِمُونَ) : منقادون للحق. وقال الزمخشري : مسلمون مخلصون ، من قوله : (بَلى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ) (١) ، بمعنى جعله سالما لله خالصا. انتهى.
(وَإِذا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ) : أي إذا انتجز وعد عذابهم الذي تضمنه القول الأزلي من الله ، كقوله : (حَقَّتْ كَلِمَةُ الْعَذابِ) (٢) ، فالمعنى : إذا أراد الله أن ينفذ في الكافرين سابق علمه فيهم من العذاب ، أخرج لهم دابة تنفذ من الأرض. ووقع : عبارة عن الثبوت واللزوم والقول ، إما على حذف مضاف ، أي مضمون القول ، وإما أنه أطلق القول على المقول ، لما كان المقول مؤدى بالقول ، وهو ما وعدوا به من قيام الساعة والعذاب. وقال ابن مسعود : (وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ) يكون بموت العلماء ، وذهاب العلم ، ورفع القرآن. انتهى. وروي أن خروجها حين ينقطع الخير ، ولا يؤمر بمعروف ، ولا ينهى عن منكر ، ولا يبقى منيب ولا نائب. وفي الحديث : «أن الدابة وطلوع الشمس من المغرب من أول الأشراط» ، ولم يعين الأول ، وكذلك الدجال ؛ وظاهر الأحاديث أن طلوع الشمس آخرها ، والظاهر أن الدابة التي تخرج هي واحدة. وروي أنه يخرج في كل بلد دابة مما هو مثبوت نوعها في الأرض ، وليست واحدة ، فيكون قوله : (دَابَّةً) اسم جنس. واختلفوا في ماهيتها ،
__________________
(١) سورة البقرة : ٢ / ١١٢.
(٢) سورة الزمر : ٣٩ / ٧١.