قاله قوم ؛ أو إرسال ملك ، قاله قطرب وقوم ، وهذا هو الظاهر لقوله : (إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ). وأجمعوا على أنها لم تكن نبية ، فإن كان الوحي بإرسال ملك ، كما هو الظاهر ، فهو كإرساله للأقرع والأبرص والأعمى ، وكما روي من تكليم الملائكة للناس. والظاهر أن هذا الإيحاء هو بعد الولادة ، فيكون ثم جملة محذوفة ، أي ووضعت موسى أمه في زمن الذبح وخافت عليه. (وَأَوْحَيْنا) ، و (أَنْ) تفسيرية ، أو مصدرية. وقيل : كان الوحي قبل الولادة. وقرأ عمرو بن عبد الواحد ، وعمر بن عبد العزيز : أن أرضعيه ، بكسر النون بعد حذف الهمزة على غير قياس ، لأن القياس فيه نقل حركة الهمزة ، وهي الفتحة ، إلى النون ، كقراءة ورش.
(فَإِذا خِفْتِ عَلَيْهِ) من جواسيس فرعون ونقبائه الذين يقتلون الأولاد ، (فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِ). قال الجنيد : إذا خفت حفظه بواسطة ، فسلميه إلينا بإلقائه في البحر ، واقطعي عنك شفقتك وتدبيرك. وزمان إرضاعه ثلاثة أشهر ، أو أربعة ، أو ثمانية ، أقوال. واليم هنا : نيل مصر. (وَلا تَخافِي) : أي من غرقه وضياعه ، ومن التقاطه ، فيقتل ، (وَلا تَحْزَنِي) لمفارقتك إياه ، (إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ) ، وعد صادق يسكن قلبها ويبشرها بحياته وجعله رسولا ، وقد تقدم في سورة طه طرف من حديث التابوت ورميه في اليم وكيفية التقاطه ، فأغنى عن إعادته. واستفصح الأصمعي امرأة من العرب أنشدت شعرا فقالت : أبعد قوله تعالى (وَأَوْحَيْنا إِلى أُمِّ مُوسى) الآية ، فصاحة؟ وقد جمع بين أمرين ونهيين وخبرين وبشارتين.
(فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ) : في الكلام حذف تقديره : ففعلت ما أمرت به من إرضاعه ومن إلقائه في اليم. واللام في (لِيَكُونَ) للتعليل المجازي ، لما كان مآل التقاطه وتربيته إلى كونه عدوا لهم (وَحَزَناً) ، وإن كانوا لم يلتقطوه إلا للتبني ، وكونه يكون حبيبا لهم ، ويعبر عن هذه اللام بلام العاقبة وبلام الصيرورة. وقرأ الجمهور : وحزنا ، بفتح الحاء والزاي ، وهي لغة قريش. وقرأ ابن وثاب ، وطلحة ، والأعمش ، وحمزة ، والكسائي ، وابن سعدان : بضم الحاء وإسكان الزاي. والخاطئ : المتعمد الخطأ ، والمخطئ : الذي لا يتعمده. واحتمل أن يكون في الكلام حذف ، وهو الظاهر ، أي فكان لهم عدوا وحزنا ، أي لأنهم كانوا خاطئين ، لم يرجعوا إلى دينه ، وتعمدوا الجرائم والكفر بالله. وقال المبرد : خاطئين على أنفسهم بالتقاطه. وقيل : بقتل أولاد بني إسرائيل. وقيل : في تربية عدوّهم.
وأضيف الجند هنا وفيما قبل إلى فرعون وهامان ، وإن كان هامان لا جنود له ، لأن أمر الجنود لا يستقيم إلا بالملك والوزير ، إذ بالوزير تحصل الأموال ، وبالملك وقهره يتوصل