الإسلام ملحد في الدين ، وابن عباس بريء من هذا القول. و (تَسْتَأْنِسُوا) متمكنة في المعنى بنية الوجه في كلام العرب. وقد قال عمر للنبيّ صلىاللهعليهوسلم : استأنس يا رسول الله وعمر وأقف على باب الغرفة الحديث المشهور. وذلك يقتضي أنه طلب الأنس به صلىاللهعليهوسلم. وقيل : هو من الاستئناس الذي هو الاستعلام والاستكشاف ، واستفعال من أنس الشيء إذا أبصره ظاهرا مكشوفا ، والمعنى حتى تستعلموا وتستكشفوا الحال هل يراد دخولكم أم لا ، ومنه استأنس هل ترى أحدا واستأنست فلم أر أحدا ، أي تعرفت واستعلمت ومنه بيت النابعة :
كان رحلي وقد زال النهار بنا |
|
يوم الجليل على مستأنس وحد |
ويجوز أن يكون من الإنس وهو أن يتعرف هل ثم إنسان. وعن أبي أيوب قال : قلنا : يا رسول الله ، ما الاستئناس؟ قال : «يتكلم الرجل بالتسبيحة والتكبيرة يتنحنح يؤذن أهل البيت والتسليم أن يقول السلام عليكم». وكان أهل الجاهلية يقول الرجل منهم إذا دخل بيتا غير بيته : حييتم صباحا وحييتم مساء ثم يدخل ، فربما أصاب الرجل مع امرأته في لحاف واحد فصدّ الله عن ذلك وعلم الأحسن الأكمل. وذهب الطبري في (تَسْتَأْنِسُوا) إلى أنه بمعنى حتى تؤنسوا أهل البيت من أنفسكم بالتنحنح والاستئذان ونحوه وتؤنسوا أنفسكم بأن تعلموا أن قد شعر بكم. قال ابن عطية : وتصريف الفعل يأبى أن يكون من آنس انتهى. وقال عطاء : الاستئذان واجب على كل محتلم ، والظاهر مطلق الاستئذان فيكفي فيه المرة الواحدة. وفي الحديث : «الاستئذان ثلاث» يعني كماله. «فإن أذن له وإلّا فليرجع ولا يزيد على ثلاث إلّا أن يحقق أن من في البيت لم يسمع». والظاهر تقديم الاستئذان على السلام. وفي حديث أبي داود : قل السلام عليكم أأدخل؟ والواو في (وَتُسَلِّمُوا) لا تقتضي ترتيبا فشرع النداء بالسلام على الإذن لما في السلام من التفاؤل بالسلامة.
(ذلِكُمْ) إشارة إلى المصدر المفهوم من (تَسْتَأْنِسُوا) و (تُسَلِّمُوا) أي (ذلِكُمْ) الاستئناس والتسليم (خَيْرٌ لَكُمْ) من تحية الجاهلية. (لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) أي شرّعنا ذلك ونبهناكم على ما فيه مصلحتكم من الستر وعدم الاطلاع على ما تكرهون الإطلاع عليه (لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) اعتناء بمصالحكم.
(فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فِيها أَحَداً) أي يأذن لكم فلا تقدموا على الدخول في ملك غيركم (حَتَّى يُؤْذَنَ لَكُمْ) إذ قد يكون لرب البيت فيه ما لا يحب أن يطلع عليه. (وَإِنْ قِيلَ لَكُمُ ارْجِعُوا فَارْجِعُوا) وهذا عائد إلى من استأذن في دخول بيت غيره فلم يؤذن له سواء كان فيه