هذه السورة مكية ، قاله جابر وعكرمة والحسن. وقال ابن عباس ، وقتادة : مدنية. وقال يحيى بن سلام : مكية إلا من أولها إلى (وَلَيَعْلَمَنَّ الْمُنافِقِينَ) ، ونزل أوائلها في مسلمين بمكة كرهوا الجهاد حين فرض بالمدينة ، قاله السدي ؛ أو في عمار ونظرائه ممن كان يعذب في الله ، قاله ابن عمر ؛ أو في مسلمين كان كفار قريش يؤذونهم ، قاله مجاهد ، وهو قريب مما قبله ؛ أو في مهجع مولى عمر ، قتل ببدر فجزع أبواه وامرأته عليه ، وقال فيه رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «سيد الشهداء مهجع وهو أول من يدعى إلى باب الجنة» ؛ أو في عياش أخي أبي جهل ، غدر فارتد.
و (النَّاسُ) : فسر بمن نزلت فيه الآية. وقال الحسن : الناس هنا المنافقون ، أي أن يتركوا لمجرد قولهم آمنا. وحسب يطلب مفعولين. فقال الحوفي ، وابن عطية ، وأبو البقاء : سدت أن وما بعدها من معمولها مسد القولين ، وأجاز الحوفي وأبو البقاء أن يقولوا بدلا من أن يتركوا. وأن يكونوا في موضع نصب بعد إسقاط الخافض ، وقدروه بأن يقولوا ولأن يقولوا. وقال ابن عطية ، وأبو البقاء : وإذا قدرت الباء كان حالا. قال ابن عطية : والمعنى في الباء واللام مختلف ، وذلك أنه في الباء كما تقول : تركت زيدا بحاله ، وهي في اللام بمعنى من أجل ، أي حسبوا أن إيمانهم علة للترك تفسير معنى ، إذ تفسير الأعراب حسبانهم أن الترك لأجل تلفظهم بالإيمان. وقال الزمخشري : فإن قلت : فأين الكلام الدال على المضمون الذي يقتضيه الحسبان؟ قلت : هو في قوله : (أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ) ، وذلك أن تقديره حسبوا تركهم غير مفتونين لقولهم آمنا ، فالترك أول مفعولي حسب ، ولقولهم آمنا هو الخبر ، وأما غير مفتونين فتتمة للترك ، لأنه من الترك الذي هو بمعنى التصيير ، كقوله :
فتركته جزر السباع ينشنه
ألا ترى أنك قبل المجيء بالحسبان تقدر أن تقول : تركتهم غير مفتونين ، لقولهم آمنا ، على تقدير حاصل ومستقر قبل اللام؟ فإن قلت : (أَنْ يَقُولُوا) هو علة تركهم غير مفتونين ، فكيف يصح أن يقع خبر مبتدأ؟ قلت : كما تقول : خروجه لمخافة الشر وضربه للتأديب ، وقد كان التأديب والمخافة في قوله : خرجت مخافة الشر وضربته تأديبا ، تعليلين. وتقول أيضا : حسبت خروجه لمخافة الشر وظننت ضربه للتأديب ، فتجعلها مفعولين كما جعلتهما مبتدأ وخبرا. انتهى ، وهو كلام فيه اضطراب.
ذكر أولا أن تقديره غير مفتونين تتمة ، يعني أنه حال ، لأنه سبك ذلك من قوله :