(وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ) : أي بوسوسته وإغوائه ، (أَعْمالَهُمْ) القبيحة. (فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ) ؛ وهي طريق الإيمان بالله ورسله. (وَكانُوا مُسْتَبْصِرِينَ) : أي في كفرهم لهم به بصر وإعجاب قاله ، ابن عباس ، ومجاهد ، والضحاك. وقيل : عقلاء ، يعلمون أن الرسالة والآيات حق ، ولكنهم كفروا عنادا ، وجحدوا بها ، واستيقنتها أنفسهم. (وَقارُونَ) : معطوف على ما قبله ، أو منصوب بإضمار اذكر. (فَاسْتَكْبَرُوا) : أي عن الإقرار بالصانع وعبادته في الأرض ، إشارة إلى قلة عقولهم ، لأن من في الأرض يشعر بالضعف ، ومن في السماء يشعر بالقوة ، ومن في السماء لا يستكبرون عن عبادة الله ، فكيف من في الأرض؟ (وَما كانُوا سابِقِينَ) الأمم إلى الكفر ، أي تلك عادة الأمم مع رسلهم. والحاصب لقوم لوط ، وهي ريح عاصف فيها حصا ، وقيل : ملك كان يرميهم. والصيحة لمدين وثمود ، والخسف لقارون ، والغرق لقوم نوح وفرعون وقومه. وقال ابن عطية : ويشبه أن يدخل قوم عاد في الحاصب ، لأن تلك الريح لا بد كانت تحصبهم بأمور مؤذية ، والحاصب : هو العارض من ريح أو سحاب إذا رمي بشيء ، ومنه قول الفرزدق :
مستقبلين شمال الشام تضربهم |
|
بحاصب كنديف القطن منثور |
ومنه قول الأخطل :
ترمي العضاة بحاصب من بلحها |
|
حتى تبيت على العضاة حفالا |
(الْعَنْكَبُوتِ) : حيوان معروف ، ووزنه فعللوت ، ويؤنث ويذكر ، فمن تذكيره قول الشاعر :
على هطالهم منهم بيوت |
|
كأن العنكبوت هو ابتناها |
ويجمع عناكب ، ويصغر عنيكيب. يشبه تعالى الكفار في عبادتهم الأصنام ، وبنائهم أمورهم عليها بالعنكبوت التي تبني وتجتهد ، وأمرها كله ضعيف ، متى مسته أدنى هامة أو هامة أذهبته ، فكذلك أمر أولئك ، وسعيهم مضمحل ، لا قوة له ولا معتمد. وقال الزمخشري : الغرض تشبيه ما اتخذوه متكلا ومعتمدا في دينهم ، وتولوه من دون الله ، مما هو مثل عند الناس في الوهن وضعف القوة ، وهو نسج العنكبوت. ألا ترى إلى مقطع التشبيه ، وهو قوله : (إِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنْكَبُوتِ)؟ انتهى. يعني بقوله : ألا ترى إلى مقطع التشبيه بما ذكر أولا من أن الغرض تشبيه المتخذ بالبيت ، لا تشبيه المتخذ بالعنكبوت؟ والذي يظهر ، هو تشبيه المتخذ من دون الله وليا ، بالعنكبوت المتخذة بيتا ، أي فلا اعتماد للمتخذ على وليه من دون الله ، كما أن العنكبوت لا اعتماد لها على بيتها في