ارتيابهم مع وضوح هذه الحجة فظاهر فساده. والمبطلون : أهل الكتاب ، قاله قتادة ؛ أو كفار قريش ، قاله مجاهد. وسموا مبطلين ، لأنهم كفروا به ، وهو أمي بعيد من الريب. ولما لم يكن قارئا ولا كاتبا ، كان ارتيابهم لا وجه له.
(بَلْ هُوَ) : أي القرآن : (آياتٌ بَيِّناتٌ) : واضحات الإعجاز ، (فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ) : أي مستقرة ، مؤمن بها ، محفوظة في صدورهم ، يتلوها أكثر الأمة ظاهرا ، بخلاف غيره من الكتب ، فليس بمعجز ، ولا يقرأ إلا من الصحف. وجاء في صفة هذه الأمة : صدورهم أناجيلهم ، وكونه القرآن ، يؤيده قراءة عبد الله ، بل هي آيات. وقيل : بل هو ، أي النبي وأموره ، آيات بينات ، قاله قتادة. وقرأ : بل هو آية بينة على التوحيد ؛ وقيل : بل هو ، أي كونه لا يقرأ ولا يكتب. ويقال : جحدته وجحدت به ، وكفرته وكفرت به ، قيل : والجحود الأول معلق بالواحدنية ، والثاني معلق بالنبوّة ، وختمت تلك بالكافر. ولأنه قسيم المؤمنين في قوله : (يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمِنْ هؤُلاءِ مَنْ يُؤْمِنُ) ، وهذه بالظالمين ، لأنه جحد بعد إقامة الدليل على كونه الرسول صدر منه القرآن منزل عليه ، وهو أمي لا يقرأ ولا يكتب ، فهم الظالمون بعد ظهور المعجزة.
(وَقالُوا لَوْ لا نُزِّلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ) : أي قريش ، وبعض اليهود كانوا يعلمون قريشا مثل هذا الاقتراح يقولون له : ألا يأتيكم بآية مثل آيات موسى من العصا وغيرها؟ وقرأ العربيان ، ونافع ، وحفص : آيات ، على الجمع ، وباقي السبعة : على التوحيد. (قُلْ إِنَّمَا الْآياتُ عِنْدَ اللهِ) ، ينزل أيتها شاء ، ولو شاء أن ينزل ما يقترحونه لفعل. (وَإِنَّما أَنَا نَذِيرٌ) بما أعطيت من الآيات. وذكر يحيى بن جعدة أن ناسا من المسلمين أتوا رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، بكتب قد كتبوا فيها بعض ما يقول اليهود ، فلما نظر إليها ألقاها وقال : «كفر بها جماعة قوم أو ضلالة قوم أن يرغبوا عما جاء به نبيهم إلى ما جاء به غير نبيهم» ، فنزلت : (أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ).
والذي يظهر أنه رد على الذين قالوا : (لَوْ لا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آياتٌ مِنْ رَبِّهِ) : أي أو لم يكفهم آية مغنية عن سائر الآيات ، إن كانوا طالبين للحق ، غير متعنتين هذا القرآن الذي تدوم تلاوته عليهم في كل مكان وزمان؟ فلا تزال معهم آية ثابتة لا تزول ولا تضمحل ، كما تزول كل آية بعد وجودها ، ويكون في مكان دون مكان. إن في هذه الآية الموجودة في كل مكان وزمان لرحمة لنعمة عظيمة لا تنكر وتذكر. وقيل : (أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ) : يعني اليهود ، (أَنَّا أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ يُتْلى عَلَيْهِمْ) بتحقيق ما في أيديهم من نعتك ونعت دينك ، وروي