مَثَلاً مِنْ أَنْفُسِكُمْ). وقيل : المثل : الوصف الأرفع الأعلى الذي ليس لغيره مثله ، وهو أنه القادر الذي لا يعجز عن شيء من إنشاء وإعادة وغيرهما. (وَهُوَ الْعَزِيزُ) : أي القاهر لكل شيء ، (الْحَكِيمُ) الذي أفعاله على مقتضى حكمته. وعن مجاهد : المثل الأعلى قوله : (لا إِلهَ إِلَّا اللهُ) ، وله الوصف بالوحدانية ، ويؤيده قوله : (ضَرَبَ لَكُمْ).
وقال ابن عباس وغيره : بين تعالى أمر الأصنام وفساد معتقد من يشركها بالله ، بضربه هذا المثل ، ومعناه : أنكم أيها الناس ، إذا كان لكم عبيد تملكونهم ، فإنكم لا تشركونهم في أموالكم ومهم أموركم ، ولا في شيء على جهة استواء المنزلة ، وليس من شأنكم أن تخافوهم في أن يرثوا أموالكم ، أو يقاسمونكم إياها في حياتكم ، كما يفعل بعضكم ببعض ؛ فإذا كان هذا فيكم ، فكيف تقولون : إن من عبيده وملكه شركاء في سلطانه وألوهيته وتثبتون في جانبه ما لا يليق عندكم بجوانبكم؟ وجاء هذا المعنى في معرض السؤال والتقرير. وقال السدي : كانوا يورثون آلهتهم ، فنزلت. وقيل : لما نزلت ، قال أهل مكة : لا يكون ذلك أبدا ، فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «فلم يجوز لربكم»؟ ومن في : (مِنْ أَنْفُسِكُمْ) لابتداء الغاية ، كأنه قال : أخذ مثلا ، وافترى من أقرب شيء منكم ، وهو أنفسكم ، ولا يبعد. ومن في : (مِمَّا مَلَكَتْ) للتبعيض ، ومن في : (مِنْ شُرَكاءَ) زائدة لتأكيد الاستفهام الجاري مجرى النفي. يقول : ليس يرضى أحد منكم أن يشركه عبده في ماله وزوجته وما يختص به حتى يكون مثله ، فكيف ترضون شريكا لله ، وهو رب الأرباب ومالك الأحرار والعبيد؟
وقال أبو عبد الله الرازي : وبين المثل والممثل به مشابهة ومخالفه. فالمشابهة معلومة ، والمخالفة من وجوه : قوله : (مِنْ أَنْفُسِكُمْ) : أي من نسلكم ، مع حقارة الأنفس ونقصها وعجزها ، وقاس نفسه عليكم مع عظمتها وجلالتها وقدرتها. وقوله : (مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ) : أي عبيدكم ، والملك ما قبل النقل بالبيع ، والزوال بالعتق ، ومملوكه تعالى لا خروج له عن الملك. فإذا لم يجز أن يشرككم مملوككم ، وهو مثلكم من جميع الوجوه ومثلكم في الآدمية ، حالة الرق ، فكيف يشرك الله مملوكه من جميع الوجوه المباين له بالكلية؟ وقوله : (فِي ما رَزَقْناكُمْ) : يعني أن الميسر لكم في الحقيقة إنما هو الله ومن رزقه حقيقة ، فإذا لم يجز أن يشرككم فيما هو لكم من حيث الاسم ، فكيف يكون له تعالى