هؤلاء ممن أضلهم الله ، فلا هادي لهم. وقال الزمخشري : من أضل الله : من خذله الله ولم يلطف به ، لعلمه أنه ممن لا لطف له ممن يقدر على هداية مثله. (وَما لَهُمْ مِنْ ناصِرِينَ) : دليل على أن المراد بالإضلال الخذلان. انتهى ، وهو على طريقة الاعتزال.
(فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ) : فقوم وجهك له وعدله غير ملتفت ، وهو تمثيل لإقباله على الدين واستقامته عليه وثباته واهتمامه بأسبابه. فإن من اهتم بالشيء ، عقد عليه طرفه وقوم له وجهه مقبلا به عليه ، والدين دين الإسلام. وذكر الوجه ، لأنه جامع حواس الإنسان وأشرفه. و (حَنِيفاً) : حال من الضمير في أقم ، أو من الوجه ، أو من الدين ، ومعناه : مائلا عن الأديان المحرفة المنسوخة. (فِطْرَتَ اللهِ) : منصوب على المصدر ، كقوله : (صِبْغَةَ اللهِ) (١) ، وقيل : منصوب بإضمار فعل تقديره : التزم فطرة الله. وقال الزمخشري : الزموا فطرة الله ، أو عليكم فطرة الله. وإنما أضمرت على خطاب الجماعة لقوله : (مُنِيبِينَ إِلَيْهِ) ، ومنيبين حال من الضمير في الزموا. وقوله : (وَأَقِيمُوا) ، (وَلا تَكُونُوا) ، معطوف على هذا المضمر. انتهى. وقيل : (فَأَقِمْ وَجْهَكَ) ، المراد به : فأقيموا وجوهكم ، وليس مخصوصا بالرسول وحده ، وكأنه خطاب لمفرد أريد به الجمع ، أي : فأقم أيها المخاطب ، ثم جمع على المعنى ، لأنه لا يراد به مخاطب واحد. فإذا كان هذا ، فقوله : (مُنِيبِينَ) ، (وَأَقِيمُوا) ، (وَلا تَكُونُوا) ملحوظ فيه معنى الجمع. وقول الزمخشري : أو عليكم فطرة الله لا يجوز ، لأن فيه حذف كلمة الإغراء ، ولا يجوز حذفها ، لأنه قد حذف الفعل وعوض عليك منه. فلو جاز حذفه لكان إجحافا ، إذ فيه حذف العوض والمعوض منه.
والفطرة ، قيل : دين الإسلام ، والناس مخصوصون بالمؤمنين. وقيل : العهد الذي أخذه الله على ذرية آدم حين أخرجهم نسما من ظهره ورجح الحذاق. إنها القابلية التي في الطفل للنظر في مصنوعات الله ، والاستدلال بها على موجده ، فيؤمن به ويتبع شرائعه ، لكن قد تعرض له عوارض تصرفه عن ذلك ، كتهويد أبويه له ، وتنصيرهما ، وإغواء شياطين الإنس والجن.
(لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللهِ) : أي لا تبديل لهذه القابلية من جهة الخالق. وقال مجاهد ، وابن جبير ، والضحاك ، والنخعي ، وابن زيد : لا تبديل لدين الله ، والمعنى : لمعتقدات الأديان ، إذ هي متفقة في ذلك. وقال الزمخشري : أي ما ينبغي أن تبدل تلك الفطرة أو
__________________
(١) سورة البقرة : ٢ / ١٣٨.