وضر هنا مطلق ، وفي آخر العنكبوت (إِذا هُمْ يُشْرِكُونَ) (١) لأنه في مخصوصين من المشركين عباد الأصنام ، والضر هناك معين ، وهو ما يتخوف من ركوب البحر. (إِذا هُمْ) : أي ركاب البحر عبدة الأصنام ، ويدل على ذلك ما قبله وما بعده. واللام في (لِيَكْفُرُوا) لام كي ، أو لام الأمر للتهديد ، وتقدم نظيره في آخر العنكبوت.
وقرأ الجمهور : (فَتَمَتَّعُوا فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ) ، بالتاء فيهما. وقرأ أبو العالية : فيتمتعوا ، بالياء ، مبنيا للمفعول ، وهو معطوف على (لِيَكْفُرُوا). فسوف يعلمون : بالياء ، على التهديد لهم. وعن أبي العالية : فيتمتعوا ، بياء قبل التاء ، عطف أيضا على (لِيَكْفُرُوا) ، أي لتطول أعمارهم على الكفر ؛ وعنه وعن عبد الله : فليتمتعوا. وقال هارون في مصحف عبد الله : يمتعوا. (أَمْ أَنْزَلْنا) ، أم : بمعنى بل ، والهمزة للإضراب عن الكلام السابق ، والهمزة للاستفهام عن الحجة استفهام إنكار وتوبيخ. والسلطان : البرهان ، من كتاب أو نحوه. (فَهُوَ يَتَكَلَّمُ) : أي يظهر مذهبهم وينطق بشركهم ، والتكلم مجاز لقوله : (هذا كِتابُنا يَنْطِقُ عَلَيْكُمْ بِالْحَقِ) (٢). وهو يتكلم : جواب للاستفهام الذي تضمنه أم ، كأنه قال : بل أنزلنا عليهم سلطانا ، أي برهانا شاهدا لكم بالشرك ، فهو يشهد بصحة ذلك ، وإن قدر ذا سلطان ، أي ملكا ذا برهان ، كان التكلم حقيقة.
(وَإِذا أَذَقْنَا النَّاسَ رَحْمَةً) : أي نعمة ، من مطر ، أو سعة ، أو صحة. (وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ) : أي بلاء ، من حدث ، أو ضيق ، أو مرض. (بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ) من المعاصي. (إِنَّ اللهَ لا يُغَيِّرُ ما بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا ما بِأَنْفُسِهِمْ) (٣) ، ففي إصابة الرحمة فرحوا وذهلوا عن شكر من أسداها إليهم ، وفي إصابة البلاء قنطوا ويئسوا وذهلوا عن الصبر ، ونسوا ما أنعم به عليهم قبل إصابة البلاء. و (أَذاهُمْ) جواب : (وَإِنْ تُصِبْهُمْ) ، يقوم مقام الفاء في الجملة الاسمية الواقعة جوابا للشرط. وحين ذكر إذاقة الرحمة ، لم يذكر سببها ، وهو زيادة الإحسان والتفضل. وحين ذكر إصابة السيئة ، ذكر سببها ، وهو العصيان ، ليتحقق بدله. ثم ذكر تعالى الأمر الذي من اعتبره لم ييأس من روح الله ، وهو أنه تعالى هو الباسط القابض ، فينبغي أن لا يقنط ، وأن يتلقى ما يرد من قبل الله بالصبر في البلاء ، والشكر في النعماء ، وأن يقلع عن المعصية التي أصابته السيئة بسببها ، حتى تعود إليه رحمة ربه.
__________________
(١) سورة العنكبوت : ٢٩ / ٦٥.
(٢) سورة الجاثية : ٤٥ / ٢٩.
(٣) سورة الرعد : ١٣ / ١١.