يكون الضمير في أنها ضمير الفعلة ، لا ضمير القصة. قال الزمخشري : فمن نصب يعني مثقال ، كان الضمير للهيئة من الإساءة والإحسان ، أي كانت مثلا في الصغر والقماءة ، كحبة الخردل ، فكانت مع صغرها في أخفى موضع وأحرزه ، كجوف الصخرة ، أو حيث كانت من العالم العلوي أو السفلي.
(يَأْتِ بِهَا اللهُ) ، يوم القيامة ، فيحاسب عليها. (إِنَّ اللهَ لَطِيفٌ) ، يتوصل علمه إلى كل خفي. (خَبِيرٌ) : عالم بكنهه. وعن قتادة : لطيف باستخراجها ، خبير بمستقرها. وبدأ له بما يتعلق به أولا ، وهو كينونة الشيء. (فِي صَخْرَةٍ) : وهو ما صلب من الحجر وعسر إخراجه منها ، ثم أتبعه بالعالم العلوي ، وهو أغرب للسامع ، ثم أتبعه بما يكون مقر الأشياء للشاهد ، وهو الأرض. وعن ابن عباس والسدي ، أن هذه الصخرة هي التي عليها الأرض. قال ابن عباس : هي تحت الأرضين السبع ، يكتب فيها أعمال الفجار. قال ابن عطية : قيل : أراد الصخرة التي عليها الأرض والحوت والماء ، وهي على ظهر ملك. وقيل : هي صخرة في الريح ، وهذا كله ضعيف لا يثبت سنده ، وإنما معنى الكلام : المبالغة والانتهاء في التفهيم ، أي إن قدرته تنال ما يكون في تضاعيف صخرة ، وما يكون في السماء والأرض. انتهى. قيل : وخفاء الشيء يعرف بصغره عادة ، ويبعده عن الرائي. وبكونه في ظلمة وباحتجابه ، ففي صخرة إشارة إلى الحجاب ، وفي السموات إشارة إلى البعد ، وفي الأرض إشارة إلى الظلمة ، فإن جوف الأرض أظلم الأماكن. وفي قوله : (يَأْتِ بِهَا اللهُ) دلالة على العلم والقدرة ، كأنه قال : يحيط بها علمه وقدرته.
ولما نهاه أولا عن الشرك ، وأخبره ثانيا بعلمه تعالى وباهر قدرته ، أمره بما يتوسل به إلى الله من الطاعات ، فبدأ بأشرفها ، وهو الصلاة ، حيث يتوجه إليه بها ، ثم بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، ثم بالصبر على ما يصيبه من المحن جميعها ، أو على ما يصيبه بسبب الأمر بالمعروف ممن يبعثه عليه ، والنهي عن المنكر ممن ينكره عليه ، فكثيرا ما يؤذى فاعل ذلك ، وهذا إنما يريد به بعد أن يمثل هو في نفسه فيأتي بالمعروف. إن ذلك إشارة إلى ما تقدم مما نهاه عنه وأمره به. والعزم مصدر ، فاحتمل أن يراد به المفعول ، أي من معزوم الأمور ، واحتمل أن يراد به الفاعل ، أي عازم الأمور ، كقوله : (فَإِذا عَزَمَ الْأَمْرُ) (١). وقال ابن جريج : مما عزمه الله وأمر به ؛ وقيل : من مكارم الأخلاق وعزائم أهل الحزم السالكين طريق النجاة. والظاهر أنه يريد من لازمات الأمور الواجبة ، لأن الإشارة
__________________
(١) سورة محمد : ٤٧ / ٢١.