ما نَفِدَتْ كَلِماتُ اللهِ إِنَّ اللهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ، ما خَلْقُكُمْ وَلا بَعْثُكُمْ إِلَّا كَنَفْسٍ واحِدَةٍ إِنَّ اللهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ).
(سَخَّرَ لَكُمْ) : تنبيه على الصنعة الدالة على الصانع من تسخير (ما فِي السَّماواتِ) : من الشمس ، والقمر ، والنجوم ، والسحاب ؛ (وَما فِي الْأَرْضِ) : من الحيوان ، والنبات ، والمعادن ، والبحار ، وغير ذلك ؛ وذلك لا يكون إلا بمسخر من مالك متصرف كما يشاء. وقرأ ابن عباس ، ويحيى بن عمارة : وأصبغ بالصاد ، وهي لغة لبني كلب ، يبدلونها من السين ، إذا جامعت الغين أو الخاء أو القاف صادا ؛ وباقي القراء : بالسين على الأصل. وقرأ الحسن ، والأعرج ، وأبو جعفر ، وشيبة ، ونافع ، وأبو عمرو ، وحفص : (نِعَمَهُ) جمعا مضافا للضمير ؛ وباقي السبعة ، وزيد بن علي : نعمة ، على الإفراد. والظاهر أنه يراد بالنعمة الظاهرة : الإسلام ، والباطنة : الستر. وعن الضحاك ، الظاهرة : حسن الصورة وامتداد القامة وتسوية الأعضاء ، والباطنة : المعرفة. وقيل : الظاهرة : البصر والسمع واللسان وسائر الجوارح ، والباطنة : القلب والعقل والفهم. والذي ينبغي أن يقال : إن الظاهرة مما يدرك بالمشاهدة ، والباطنة ما لا يعلم إلا بدليل ، أو لا يعلم أصلا. فكم من نعمة في بدن الإنسان لا يعلمها ، ولا يهتدي إلى العلم بها؟ وانتصب (ظاهِرَةً) على الحال من (نِعَمَهُ) ، الجمع على الصفة ، ومن نعمة على الإفراد. وتقدم الكلام على : (وَمِنَ النَّاسِ) إلى : (مُنِيرٍ) ، في الحج ، وعلى ما بعده إلى : (آباءَنا) ، في نظيره في البقرة. (أَوَلَوْ) : كان تقديره : أيتبعونهم في أحوالهم؟ وفي هذه الحال التي لا ينبغي أن لا يتبع فيها الآباء؟ لأنها حال تلف وعذاب. وقد تقدم لنا أن مثل هذا التركيب الذي فيه ولو ، إنما يكون في الشيء الذي كان ينبغي أن لا يكون ، نحو : اعطوا السائل ولو جاء على فرس ، ردوا السائل ولو بظلف محرق ، (وَما أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنا وَلَوْ كُنَّا صادِقِينَ) (١). وكذلك هذا ، كان ينبغي من دعا إلى عذاب السعير أن لا يتبع. وقرأ الجمهور : (وَمَنْ يُسْلِمْ) ، مضارع أسلم ؛ وعلي ، والسلمي ، وعبد الله بن مسلم بن يسار : بتشديد اللام ، مضارع سلم ، وتقدم الكلام على نظير هذه الجملة في البقرة ، والمراد :
التفويض إلى الله. (فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقى) : تقدم الكلام عليه في البقرة. وقال الزمخشري ، من باب التمثيل : مثلت حال المتوكل بحال من تدلى من شاهق ، فاحتاط لنفسه بأن استمسك بأوثق عروة من حبل متين مأمون انقطاعه. انتهى. ولما ذكر حال الكافر
__________________
(١) سورة يوسف : ١٢ / ١٧.