باقي السبعة والحسن وطلحة والأعمش بكسر الياء ، فإما أن تكون متعدية أي (مُبَيِّناتٍ) غيرها من الأحكام والحدود ، فأسند ذلك إليها مجازا ، وإما أن تكون لا تتعدى أي بينات في نفسها لا تحتاج إلى موضح بل هي واضحة لقولهم في المثل. قد بيّن الصبح لذي عينين. أي قد ظهر ووضح. وقوله (وَمَثَلاً) معطوف على آيات ، فيحتمل أن يكون المعنى (وَمَثَلاً) من أمثال الذين من قبلكم ، أي قصة غريبة من قصصهم كقصة يوسف ومريم في براءتهما لبراءة من رميت بحديث الإفك لينظروا قدرة الله في خلقه وصنعه فيه فيعتبروا. وقال الضحاك : والمراد بالمثل ما في التوراة والإنجيل من إقامة الحدود ، فأنزل في القرآن مثله. وقال مقاتل : أي شبها من حالهم في تكذيب الرسل أي بينا لكم ما أحللنا بهم من العذاب لتمردهم ، فجعلنا ذلك مثلا لكم لتعلموا أنكم إذا شاركتموهم في المعصية كنتم مثلهم في استحقاق العقاب. (وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ) أي ما وعظ في الآيات والمثل من نحو قوله (وَلا تَأْخُذْكُمْ بِهِما رَأْفَةٌ) (١) و (لَوْ لا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ يَعِظُكُمُ اللهُ أَنْ تَعُودُوا لِمِثْلِهِ أَبَداً) (٢) وخص المتقين لأنهم المنتفعون بالموعظة.
اللهُ نُورُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكاةٍ فِيها مِصْباحٌ الْمِصْباحُ فِي زُجاجَةٍ الزُّجاجَةُ كَأَنَّها كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لا شَرْقِيَّةٍ وَلا غَرْبِيَّةٍ يَكادُ زَيْتُها يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نارٌ نُورٌ عَلى نُورٍ يَهْدِي اللهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشاءُ وَيَضْرِبُ اللهُ الْأَمْثالَ لِلنَّاسِ وَاللهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (٣٥) فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيها بِالْغُدُوِّ وَالْآصالِ (٣٦) رِجالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللهِ وَإِقامِ الصَّلاةِ وَإِيتاءِ الزَّكاةِ يَخافُونَ يَوْماً تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصارُ (٣٧) لِيَجْزِيَهُمُ اللهُ أَحْسَنَ ما عَمِلُوا وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَاللهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشاءُ بِغَيْرِ حِسابٍ (٣٨)
النور في كلام العرب الضوء المدرك بالبصر ، فإسناده إلى الله تعالى مجاز كما تقول : زيد كرم وجود وإسناده على اعتبارين ، إما على أنه بمعنى اسم الفاعل أي منوّر السموات والأرض ، ويؤيد هذا التأويل قراءة عليّ بن أبي طالب وأبي جعفر وعبد العزيز المكي
__________________
(١) سورة النور : ٢٤ / ٢.
(٢) سورة النور : ٢٤ / ١٧.