شيء ، بدل شيء من شيء ، وهما لعين واحدة. ومعنى (أَحْسَنَ) : حسن ، لأنه ما من شيء خلقه إلّا وهو مرتب على ما تقضيه الحكمة. فالمخلوقات كلها حسنة ، وإن تفاوتت في الحسن ، وحسنها من جهة المقصد الذي أريد بها. ولهذا قال ابن عباس : ليست القردة بحسنة ، ولكنها متقنة محكمة. وعلى قراءة من سكن لام خلقه ، قال مجاهد : أعطى كل جنس شكله ، والمعنى : خلق كل شيء على شكله الذي خصه به. وقال الفراء : ألهم كل شيء خلقه فيما يحتاجون إليه ، كأنه أعلمهم ذلك ، فيكون كقوله : (أَعْطى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ) (١). وقرأ الجمهور : بدأ بالهمز ؛ والزهري : بالألف بدلا من الهمزة ، وليس بقياس أن يقول في هدأ : هدا ، بإبدال الهمزة ألفا ، بل قياس هذه الهمزة التسهيل بين بين ؛ على أن الأخفش حكى في قرأت : قريت ونظائره. وقيل : وهي لغية ؛ والأنصار تقول في بدأ : بدى ، بكسر عين الكلمة وياء بعدها ، وهي لغة لطي. يقولون في فعل هذا نحو بقي : بقأ ، فاحتمل أن تكون قراءة الزهري على هذه اللغة أصله بدى ، ثم صار بدأ ، أو على لغة الأنصار. وقال ابن رواحة :
باسم الإله وبه بدينا |
|
ولو عبدنا غيره شقينا |
(وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنْسانِ) : هو آدم ، عليه الصلاة والسلام. (ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ) : أي ذريته. نسل من الشيء : انفصل منه. (ثُمَّ سَوَّاهُ) : قومه وأضاف الروح إلى ذاته دلالة على أنه خلق عجيب ، لا يعلم حقيقته إلا هو ، وهي إضافة ملك إلى مالك وخلق إلى خالق تعالى. (وَجَعَلَ لَكُمُ) : التفات ، إذ هو خروج من مفرد غائب إلى جمع مخاطب ، وتعديد للنعم ، وهي شاملة لآدم ؛ كما أن التسوية ونفخ الروح شامل له ولذريته. والظاهر أن (وَقالُوا) الضمير لجمع ، وقيل : القائل أبيّ بن خلف ، وأسند إلى الجمع لرضاهم به ، والناصب للظرف محذوف يدل عليه (أَإِنَّا) وما بعدها تقديره انبعث. (أَإِذا ضَلَلْنا) ، ومن قرأ إذا بغير استفهام ، فجواب إذا محذوف ، أي : إذا ضللنا في الأرض نبعث ، ويكون إخبارا منهم على طريق الاستهزاء. وكذلك من قرأ : إنا على الخبر ، أكدوا ذلك الاستهزاء باستهزاء آخر. وقرأ الجمهور : بفتح اللام ، والمضارع يضل بكسر عين الكلمة ، وهي اللغة الشهيرة الفصيحة ، وهي لغة نجد. قال مجاهد : هلكنا ، وكل شيء غلب عليه غيره حتى تلف وخفي فقد هلك ، وأصله من : ضل الماء في اللبن ، إذا ذهب. وقال قطرب : ضللنا : غبنا في الأرض ، وأنشد قول النابغة الذبياني :
__________________
(١) سورة طه : ٢٠ / ٥٠.