وقيل : يعذبهم في الدنيا إن شاء ، ويتوب عليهم إن شاء. (إِنَّ اللهَ كانَ غَفُوراً رَحِيماً) : غفورا للحوية ، رحيما بقبول التوبة.
(وَرَدَّ اللهُ الَّذِينَ كَفَرُوا) الأحزاب عن المدينة ، والمؤمنين إلى بلادهم. (بِغَيْظِهِمْ) : فهو حال ، والباء للمصاحبة ؛ و (لَمْ يَنالُوا) : حال ثانية ، أو من الضمير في بغيظهم ، فيكون حالا متداخلة. وقال الزمخشري : ويجوز أن تكون الثانية بيانا للأولى ، أو استئنافا. انتهى. ولا يظهر كونها بيانا للأولى ، ولا للاستئناف ، لأنها تبقى كالمفلتة مما قبلها. (وَكَفَى اللهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتالَ) ، بإرسال الريح والجنود ، وهم الملائكة ، فلم يكن قتال بين المؤمنين والكفار. وقيل : المراد علي بن أبي طالب ومن معه ، برزوا للقتال ودعوا إليه. وقتل علي من الكفار عمرو بن عبيد مبارزة ، حين طلب عمرو المبارزة ، فخرج إليه علي ، فقال : إني لا أوثر قتلك لصحبتي لأبيك ، فقال له علي : فأنا أوثر قتلك ، فقتله علي مبارزة. واقتحم نوفل بن الحارث ، من قريش ، الخندق بفرسه ، فقتل فيه. وقتل من الكفار أيضا : منبه بن عثمان ، وعبيد بن السباق. واستشهد من المسلمين ، في غزوة الخندق : معاذ ، وأنس بن أوس بن عتيك ، وعبد الله بن سهل ، وأبو عمرو ، وهم من بني عبد الأشهل ؛ والطفيل بن النعمان ، وثعلبة بن غنمة ، وهما من بني سلمة ؛ وكعب بن زيد ، من بني ذبيان بن النجار ، أصابه سهم غرب فقتله. ولم تغز قريش المسلمين بعد الخندق ، وكفى الله مداومة القتال وعودته بأن هزمهم بعد ذلك ، وذلك بقوته وعزته. وعن أبي سعيد الخدري : حبسنا يوم الخندق ، فلم نصل الظهر ، ولا العصر ، ولا المغرب ، ولا العشاء ، حتى كان بعد هوي من الليل ، كفينا وأنزل الله تعالى : (وَكَفَى اللهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتالَ) ، فأمر رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، بلالا ، فأقام وصلى الظهر فأحسنها ، ثم كذلك كل صلاة بإقامة.
(وَأَنْزَلَ الَّذِينَ ظاهَرُوهُمْ) : أي أعانوا قريشا ومن معهم من الأحزاب من أهل الكتاب ، هم يهود بني قريظة ، كما هو قول الجمهور. وعن الحسن : بنو النضير. وقذف الرعب سبب لإنزالهم ، ولكنه قدم المسبب ، لما كان السرور بإنزالهم أكثر والإخبار به أهم قدم. وقال رجل : يا رسول الله ، مر بنا دحية الكلبي على بغلة بيضاء عليها قطيفة ديباج ، فقال : «ذلك جبريل ، عليهالسلام ، بعث إلى بني قريظة ، يزلزل بهم حصونهم ، ويقذف الرعب في قلوبهم». ولما رجعت الأحزاب ، جاء جبريل وقت الظهر فقال : إن الله يأمرك بالخروج إلى بني قريظة. فنادى في الناس : «لا يصلين أحد العصر إلا في بني قريظة» ، فخرجوا إليها ، فمصل في الطريق ، ورأى أن ذلك خرج مخرج التأكيد والاستعجال ؛