بعهود الإسلام على التمام. فالشهداء منهم ، والعشرة الذين شهد لهم الرسول بالجنة ، منهم من حصل في هذه المرتبة بما لم ينص عليه ، ويصحح هذا القول رسول الله صلىاللهعليهوسلم. وقد سئل من الذي قضى نحبه وهو على المنبر؟ فدخل طلحة بن عبيد الله فقال : هذا ممن قضى نحبه. (وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ) : إذا فسر قضاء النحب بالشهادة ، كان التقدير : ومنهم من ينتظر الشهادة ؛ وإذا فسر بالوفاء لعهود الإسلام ، كان التقدير : ومنهم من ينتظر الحصول في أعلى مراتب الإيمان والصلاح. وقال مجاهد : ينتظر يوما فيه جهاد ، فيقضي نحبه. (وَما بَدَّلُوا) : لا المستشهدون ، ولا من ينتظر. وقد ثبت طلحة يوم أحد حتى أصيبت يده ، فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «أوجب طلحة» ، وفيه تعريض لمن بدل من المنافقين حين ولوا الأدبار ، وكانوا عاهدوا لا يولون الأدبار.
(لِيَجْزِيَ اللهُ الصَّادِقِينَ) : أي الذين (صَدَقُوا ما عاهَدُوا اللهَ عَلَيْهِ) ، (بِصِدْقِهِمْ) : أي بسبب صدقهم. (وَيُعَذِّبَ الْمُنافِقِينَ إِنْ شاءَ) ، وعذابهم متحتم. فكيف يصح تعليقه على المشيئة ، وهو قد شاء تعذيبهم إذا وفوا على النفاق؟ فقال ابن عطية : تعذيب المنافقين ثمرته إدامتهم الإقامة على النفاق إلى موتهم ، والتوبة موازية لتلك الإقامة ، وثمرة التوبة تركهم دون عذاب. فهما درجتان : إقامة على نفاق ، أو توبة منه. وعنهما ثمرتان : تعذيب ، أو رحمة. فذكر تعالى ، على جهة الإيجاز ، واحدة من هاتين ، وواحدة من هاتين. ودل ما ذكر على ما ترك ذكره ، ويدلك على أن معنى قوله : (وَيُعَذِّبَ) ، أي : ليديم على النفاق ، قوله : (إِنْ شاءَ) ، ومعادلته بالتوبة ، وحذف أو. انتهى. وكان ما ذكر يؤول إلى أن التقدير : ليقيموا على النفاق ، فيموتوا عليه ، إن شاء فيعذبهم ، أو يتوب عليهم فيرحمهم. فحذف سبب التعذيب ، وأثبت المسبب ، وهو التعذيب. وأثبت سبب الرحمة والغفران ، وحذف المسبب ، وهو الرحمة والغفران ، وهذا من الإيجاز الحسن. وقال الزمخشري : ويعذبهم إن شاء إذا لم يتوبوا ، ويتوب عليهم إذا تابوا. انتهى. ولا يجوز تعليق عذابهم إذا لم يتوبوا بمشيئته تعالى ، لأنه تعالى قد شاء ذلك وأخبر أنه يعذب المنافقين حتما لا محالة. واللام في (لِيَجْزِيَ) ، قيل : لام الصيرورة ؛ وقيل : لام التعليل ، ويتعلق بقوله : (وَما بَدَّلُوا تَبْدِيلاً). قال الزمخشري : جعل المنافقون كأنهم قصدوا عاقبة السوء وأرادوها بتبديلهم ، كما قصد الصادقون عاقبة الصدق بوفائهم ، لأن كلا الفريقين مسوق إلى عاقبة من الثواب والعقاب ، فكأنهما استويا في طلبهما والسعي لتحصيلهما. وقال السدي : المعنى : إن شاء يميتهم على نفاقهم ، أو يتوب عليهم بفعلهم من النفاق بتقبلهم الإيمان.