وقال أبو القاسم الصيرفي : لما خير رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، بين ملك الدنيا ونعيم الآخرة ، فاختار الآخرة ، وأمر بتخيير نسائه ليظهر صدق موافقتهن ، وكان تحته عشر نساء ، زاد الحميرية ، فاخترن الله ورسوله إلا الحميرية. وروي أنه قال لعائشة ، وبدأ بها ، وكانت أحبهن إليه : «إني ذاكر لك أمرا ، ولا عليك أن لا تعجلي فيه حتى تستأمري أبويك». ثم قرأ عليها القرآن ، فقالت : أفي هذا أستأمر أبوي؟ فإني أريد الله ورسوله والدار الآخرة ، لا تخبر أزواجك أني اخترتك ، فقال : «إنما بعثني الله مبلغا ولم يبعثني متعنتا». والظاهر أنهن إذا اخترن الحياة الدنيا وزينتها ، متعهن رسول الله وطلقهن ، وأنه ليس باختيارهن ذلك يقع الفراق دون أن يوقعه هو. وقال الأكثرون : هي آية تخيير ، فإذا قال لها : اختاري ، فاختارت زوجها ، لم يكن ذلك طلاقا. وعن علي : تكون واحدة رجعية ، وإن اختارت نفسها ، وقعت طلقة بائنة عند أبي حنيفة وأصحابه ، وهو قول علي ؛ وواحدة رجعية عند الشافعي ، وهو قول عمر وابن مسعود ؛ وثلاث عند مالك. وأكثر الناس ذهبوا إلى أن الآية في التخيير والطلاق ، وهو قول علي والحسن وقتادة ، قال هذا القائل. وأما أمر الطلاق فمرجأ ، فإن اخترن أنفسهن ، نظر هو كيف يسرحهن ، وليس فيها تخيير في الطلاق ، لأن التخيير يتضمن ثلاث تطليقات ، وهو قد قال : (وَأُسَرِّحْكُنَّ سَراحاً جَمِيلاً) ، وليس مع بت الطلاق سراح جميل. انتهى.
والذي يدل عليه ظاهر الآية هو ما ذكرناه أولا من أنه علق على إرادتهن زينة الحياة الدنيا وقوع التمتيع والتسريح منه ، والمعنى في الآية : أنه كان عظيم همكن ومطلبكن التعمق في الدنيا ونيل نعيمها وزينتها.
وتقدم الكلام في : (فَتَعالَيْنَ) في قوله تعالى : (فَقُلْ تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا وَأَبْناءَكُمْ) (١) في آل عمران. (أُمَتِّعْكُنَ) ، قيل : المتعة واجبة في الطلاق ؛ وقيل : مندوب إليها. والأمر في قوله : (وَمَتِّعُوهُنَ) (٢) يقتضي الوجوب في مذهب الفقهاء ، وتقدم الكلام في ذلك ، وفي تفصيل المذاهب في البقرة. والتسريح الجميل إما في دون البيت ، أو جميل الثناء ، والمعتقد وحسن العشرة إن كان تاما. وقرأ الجمهور : (أُمَتِّعْكُنَ) ، بالتشديد من متع ؛ وزيد بن علي : بالتخفيف من أمتع. ومعنى (أَعَدَّ) : هيأ ويسر ، وأوقع الظاهر موقع
__________________
(١) سورة آل عمران : ٣ / ٦١.
(٢) سورة البقرة : ٢٣٦.