الإسلام فما بعده ، عقب ذلك بما صدر من بعض المسلمين ، إذ أشار الرسول بأمر وقع منهم الإباء له ، فأنكر عليهم ، إذ طاعته ، عليهالسلام ، من طاعة الله ، وأمره من أمره.
و (الْخِيَرَةُ) : مصدر من تخير على غير قياس ، كالطيرة من تطير. وقرئ : بسكون الياء ، ذكره عيسى بن سليمان. وقرأ الحرميان ، والعربيان ، وأبو جعفر ، وشيبة ، والأعرج ، وعيسى : أن تكون ، بتاء التأنيث ؛ والكوفيون ، والحسن ، والأعمش ، والسلمي : بالياء. ولما كان قوله : (لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ) ، يعم في سياق النفي ، جاء الضمير مجموعا على المعنى في قوله : (لَهُمُ) ، مغلبا فيه المذكر على المؤنث. وقال الزمخشري : كان من حق الضمير أن يوحد ، كما تقول : ما جاءني من رجل ولا امرأة إلا كان من شأنه كذا. انتهى. ليس كما ذكر ، لأن هذا عطف بالواو ، فلا يجوز إفراد الضمير إلا على تأويل الحذف ، أي : ما جاءني من رجل إلا كان من شأنه كذا ، وتقول : ما جاء زيد ولا عمرو إلا ضربا خالدا ، ولا يجوز إلا ضرب إلا على الحذف ، كما قلنا.
(وَإِذْ تَقُولُ) : الخطاب للرسول ، عليهالسلام. (لِلَّذِي أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِ) ، بالإسلام ، وهو أجل النعم ، وهو زيد بن حارثة الذي كان الرسول تبناه. (وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ) : وهو عتقه ، وتقدّم طرف من قصته في أوائل السورة. (أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ) : وهي زينب بنت جحش ، وتقدّم أن الرسول كان خطبها له. وقيل : أنعم الله عليه بصحبتك ومودتك ، وأنعمت عليه بتبنيه. فجاء زيد فقال : يا رسول الله ، إني أريد أن أفارق صاحبتي ، فقال : «أرابك منها شيء؟» قال : لا والله ولكنها تعظم علي لشرفها وتؤذيني بلسانها ، فقال : «أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ» ، أي لا تطلقها ، وهو أمر ندب ، «(وَاتَّقِ اللهَ) في معاشرتها». فطلقها ، وتزوجها رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، بعد انقضاء عدّتها. وعلل تزويجه إياها بقوله : (لِكَيْ لا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ) في أن يتزوجوا زوجات من كانوا تبنوه إذا فارقوهن ، وأن هؤلاء الزوجات ليست داخلات فيما حرم في قوله : (وَحَلائِلُ أَبْنائِكُمُ) (١).
وقال علي بن الحسين : كان قد أوحى الله إليه أن زيدا سيطلقها ، وأنه يتزوجها بتزويج الله إياها. فلما شكا زيد خلقها ، وأنها لا تطيعه ، وأعلمه بأنه يريد طلاقها ، قال له : «أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللهَ» ، على طريق الأدب والوصية ، وهو يعلم أنه سيطلقها. وهذا هو الذي أخفي في نفسه ، ولم يرد أنه يأمره بالطلاق. ولما علم من أنه سيطلقها ،
__________________
(١) سورة النساء : ٤ / ٢٣.