وتنزيهه عما لا يليق به. والذكر الكثير ، قال ابن عباس : أن لا ينساه أبدا ، أو التسبيح مندرج في الذكر ، لكنه خص بأنه ينزهه تعالى عما لا يليق به ، فهو أفضل ، أو من أفضل الأذكار. وعن قتادة : قولوا سبحان الله ، والحمد لله ، ولا إله إلا الله ، والله أكبر ، ولا حول ولا قوة إلا بالله. وعن مجاهد : هذه الكلمات يقولها الطاهر والجنب. و (بُكْرَةً وَأَصِيلاً) : يقتضيهما اذكروا وسبحوا ، والنصب بالثاني على طريق الإعمال ، والوقتان كناية عن جميع الزمان ، ذكر الطرفين إشعار بالاستغراق. وقال ابن عباس : أي صلوا صلاة الفجر والعشاء. وقال الأخفش : ما بين العصر إلى العشاء. وقال قتادة : الإشارة بهذين الوقتين إلى صلاة الغداة وصلاة العصر ؛ ويجوز أن يكون الأمر بالذكر وإكثاره تكثير الطاعات والإقبال على الطاعات ، فإن كل طاعة وكل خير من جملة الذكر. ثم خص من ذلك التسبيح بكرة وأصيلا ، وهي الصلاة في جميع أوقاتها ، تفضل الصلاة غيرها ، أو صلاة الفجر والعشاء ، لأن أداءهما أشق.
ولما أمرهم بالذكر والتسبيح ، ذكر إحسانه تعالى بصلاته عليهم هو وملائكته. قال الحسن : (يُصَلِّي عَلَيْكُمْ) : يرحمكم. وقال ابن جبير : يغفر لكم. وقال أبو العالية يثني عليكم. وقيل : يترأف بكم. وصلاة الملائكة الاستغفار ، كقوله تعالى : (وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا) (١). وقال مقاتل : الدعاء ، والمعنى : هو الذي يترحم عليكم ، حيث يدعوكم إلى الخير ، ويأمركم بإكثار الذكر والطاعة ، ليخرجكم من ظلمات المعصية إلى نور الطاعة. وقال ابن زيد : من الضلالة إلى الهدى. وقال مقاتل : من الكفر إلى الإيمان. وقيل : من النار إلى الجنة ، حكاه الماوردي. وقيل : من القبور إلى البعث. (وَمَلائِكَتُهُ) : معطوف على الضمير المرفوع المستكن في (يُصَلِّي) ، فأغنى الفصل بالجار والمجرور عن التأكيد ، وصلاة الله غير صلاة الملائكة ، فكيف اشتركا في قدر مشترك؟ وهو إرادة وصول الخير إليهم. فالله تعالى يريد برحمته إياهم إيصال الخير إليهم ، وملائكته يريدون بالاستغفار ذلك. وقال الزمخشري : جعلوا لكونهم مستجابي الدعوة ، كأنهم فاعلون الرحمة والرأفة ، ونظيره قولهم : حياك الله : أي أحياك وأبقاك ، وحييتك : أي دعوت لك بأن يحييك الله ، لأنك لا تكالك على إجابة دعوتك كأنك تبقيه على الحقيقة ؛ وكذلك عمرك الله وعمرتك ، وسقاك الله وسقيتك ، وعليه قوله ؛ (إِنَّ اللهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ) : أي ادعوا له بأن يصلى عليه. (وَكانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيماً) : دليل
__________________
(١) سورة غافر : ٤٠ / ٧.