ولما ذكر حال المشرك الذي يؤذي الله ورسوله ، والمجاهر الذي يؤذي المؤمنين ، ذكر حال المسر الذي يؤذي الله ورسوله ، ويظهر الحق ويضمر النفاق. ولما كان المؤذون ثلاثة ، باعتبار إذايتهم لله ولرسوله وللمؤمنين ، كان المشركون ثلاثة : منافق ، ومن في قلبه مرض ، ومرجف. فالمنافق يؤذي سرا ، والثاني يؤذي المؤمن باتباع نسائه ، والثالث يرجف بالرسول ، يقول : غلب ، سيخرج من المدينة ، سيؤخذ ، هزمت سراياه. وظاهر العطف التغاير بالشخص ، فيكون المعنى : لئن لم ينته المنافقون عن عداوتهم وكيدهم ، والفسقة عن فجورهم ، والمرجفون عما يقولون من أخبار السوء ويشيعونه. ويجوز أن يكون التغاير بالوصف ، فيكون واحدا بالشخص ثلاثة بالوصف. كما جاء : إن المسلمين والمسلمات ، فذكر أوصافا عشرة ، والموصوف بها واحد ، ونص على هذين الوصفين من المنافقين لشدة ضررهما على المؤمنين. قال عكرمة : (الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ) ، هو العزل وحب الزنا ، ومنه فيطمع الذي في قلبه مرض. وقال السدي : المرض : النفاق ، ومن في قلوبهم مرض. وقال ابن عباس : هم الذين آذوا عمر. وقال الكلبي : من آذى المسلمين. وقال ابن عباس : (الْمُرْجِفُونَ) : ملتمسو الفتن. وقال قتادة : الذين يؤذون قلوب المؤمنين بإيهام القتل والهزيمة. (لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ) : أي لنسلطنك عليهم ، قاله ابن عباس. وقال قتادة : لنحرسنك بهم.
(ثُمَّ لا يُجاوِرُونَكَ فِيها) : أي في المدينة ، و (ثُمَّ لا يُجاوِرُونَكَ) معطوف على (لَنُغْرِيَنَّكَ) ، ولم يكن العطف بالفاء ، لأنه لم يقصد أنه متسبب عن الإغراء ، بل كونه جوابا للقسم أبلغ. وكان العطف بثم ، لأن الجلاء عن الوطن كان أعظم عليهم من جميع ما أصيبوا به ، فتراخت حالة الجلاء عن حالة الإغراء. (إِلَّا قَلِيلاً) : أي جوارا قليلا ، أو زمانا قليلا ، أو عددا قليلا ، وهذا الأخير استثناء من المنطوق ، وهو ضمير الرفع في (يُجاوِرُونَكَ) ، أو ينتصب قليلا على الحال ، أي إلا قليلين ، والأول استثناء من المصدر الدال عليه (يُجاوِرُونَكَ) ، والثاني من الزمان الدال عليه (يُجاوِرُونَكَ) ، والمعنى : أنهم يضطرون إلى طلب الجلاء عن المدينة خوف القتل. وانتصب (مَلْعُونِينَ) على الذم ، قاله الطبري ؛ وأجاز ابن عطية أن يكون بدلا من (قَلِيلاً) ، قال : هو من إقلاء الذي قدرناه ؛ وأجاز هو أيضا أن يكون حالا من الضمير في (يُجاوِرُونَكَ) ، قال : كأنه قال : ينتفون من المدينة ملعونين ، فلا يقدر (لا يُجاوِرُونَكَ) ، فقدر ينتفون حسن هذا. انتهى. وقال الزمخشري ، والحوفي ، وتبعهما أبو البقاء : يجوز أن يكون حالا من الضمير في