بها التمثيل على المحال؟ وما مثال هذا إلا أن تشبه شيئا ، والمشبه به غير معقول. قلت : الممثل به في الآية ، وفي قولهم : لو قيل للشحم أين تذهب؟ وفي نظائره مفروض ، والمفروض أن يتخيل في الذهن. كما أن المحققات مثلت حال التكليف في صعوبته وثقل محمله بحال المفروض ، لو عرضت على السموات والأرض والجبال (فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَها وَأَشْفَقْنَ مِنْها). انتهى.
وقال أيضا : إن هذه الأجرام العظام قد انقادت لأمر الله انقياد مثلها ، وهو ما تأتى من الجمادات ، حيث لم يمتنع على مشيئته إيجادا وتكوينا وتسوية على هيئات مختلفة وأشكال متنوعة. كما قال : (قالَتا أَتَيْنا طائِعِينَ) (١). وأما الإنسان ، فلم يكن حاله فيما يصح منه من الانقياد لأوامر الله ونواهيه ، وهو حيوان صالح للتكليف ، مثل حال تلك الجمادات فيما يصح منها ويليق بها من الانقياد. والمراد بالأمانة : الطاعة ، لأنها لازمة للوجود. كما أن الأمانة لازمة للأداء ، وعرضها على الجمادات وإباؤها وإشفاقها مجاز. وحمل الأمانة من قولك : فلان حامل للأمانة ومحتمل لها ، يريد أنه لا يؤديها إلى صاحبها حتى تزول عن ذمته ويخرج عن عهدتها ، لأن الأمانة كأنها راكبة للمؤتمن عليها ، وهو حامل لها. ألا تراهم يقولون : ركبته الديون؟ ولي عليه حق؟ فأبين أن لا يؤدونها ، وأبى الإنسان أن لا يكون محتملا لها لا يؤديها. ثم وصفه بالظلم لكونه تاركا لأداء الأمانة ، وبالجهل لخطئه ما يسعده مع تمكنه منه وهو أداؤها. انتهى ، وفيه بعض حذف.
وقال قوم : الآية من المجاز ، أي إذا قايسنا ثقل الأمانة بقوة السموات والأرض والجبال ، رأيتهما أنهما لا تطيقها ، وأنها لو تكلمت ، لأبتها وأشفقت عنها ؛ فعبر عن هذا المعنى بقوله : (إِنَّا عَرَضْنَا) الآية ، وهذا كما تقول : «عرضت الحمل على البعير فأباه ، وأنت تريد بذلك مقارنة قوته بثقل الحمل ، فرأيتها تقصر عنه ؛ ونحوه قول ابن بحر» معنى عرضنا : عارضناها وقابلناها بها. (فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَها) : أي قصرن ونقصن عنها ، كما تقول : أبت الصنجة أن تحمل ما قابلها. (وَحَمَلَهَا الْإِنْسانُ) ، قال ابن عباس ، وابن جبير : التزم القيام بحقها ، والإنسان آدم ، وهو في ذلك ظلوم نفسه ، جهول بقدر ما دخل فيه. وقال ابن عباس : ما تم له يوم حتى أخرج من الجنة. وقال الضحاك ، والحسن : وحملها معناه : خان فيها ، والإنسان الكافر والمنافق والعاصي على قدره. وقال ابن مسعود ،
__________________
(١) سورة فصلت : ٤١ / ١١.