(لِيُعَذِّبَ اللهُ الْمُنافِقِينَ وَالْمُنافِقاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكاتِ) (١) : إن محمدا يتوعدنا بالعذاب بعد أن نموت ، ويخوّفنا بالبعث ، واللات والعزى لا تأتينا الساعة أبدا ، ولا نبعث. فقال الله : (قُلْ) يا محمد (بَلى وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَ) (٢) ، قاله مقاتل ؛ وباقي السورة تهديد لهم وتخويف. ومن ذكر هذا السبب ، ظهرت المناسبة بين هذه السورة والتي قبلها.
(الْحَمْدُ لِلَّهِ) : مستغرق لجميع المحامد. (وَلَهُ الْحَمْدُ فِي الْآخِرَةِ) : ظاهره الاستغراق. ولما كانت نعمة الآخرة مخبرا بها ، غير مرئية لنا في الدنيا ، ذكرها ليقاس نعمها بنعم الدنيا ، قياس الغائب على الشاهد ، وإن اختلفا في الفضيلة والديمومة. وقيل : أل للعهد والإشارة إلى قوله : (وَآخِرُ دَعْواهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ) (٣) ، أو إلى قوله : (وَقالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنا وَعْدَهُ) (٤). وقال الزمخشري : الفرق بين الحمدين وجوب الحمد في الدنيا ، لأنه على نعمه متفضل بها ، وهو الطريق إلى تحصيل نعمة الآخرة ، وهي الثواب. وحمد الآخرة ليس بواجب ، لأنه على نعمة واجبة الاتصال إلى مستحقها ، إنما هو تتمة سرور المؤمنين وتكملة اغتباطهم يلتذون به. انتهى ، وفيه بعض تلخيص.
(يَعْلَمُ ما يَلِجُ فِي الْأَرْضِ) ، من المياه. وقال الكلبي : من الأموات والدفائن. (وَما يَخْرُجُ مِنْها) ، من النبات. وقال الكلبي : من جواهر المعادن. (وَما يَنْزِلُ مِنَ السَّماءِ) ، من المطر والثلج والبرد والصاعقة والرزق والملك. (وَما يَعْرُجُ فِيها) ، من أعمال الخلق. وقال الكلبي : وما ينزل من الملائكة. وقيل : من الأقضية والأحوال والأدعية والأعمال. وقيل : من الأنعام والعطاء. وقرأ عليّ ، والسلمي : وما ينزل بضم الياء وفتح النون وشد الزاي ، أي الله تعالى. وبلى جواب للنفي السابق من قولهم (لا تَأْتِينَا السَّاعَةُ) ، أي بلى لتأتينكم. وقرأ الجمهور : (لَتَأْتِيَنَّكُمْ) بتاء التأنيث ، أي الساعة التي أنكرتم مجيئها. وقرأ طلق عن أشياخه بياء الغيبة ، أي ليأتينكم البعث ، لأنه مقصودهم من نفي الساعة أنهم لا يبعثون. وقال الزمخشري : أو على معنى الساعة ، أي اليوم ، أو على إسناده إلى الله على معنى ليأتينكم أمر عالم الغيب كقوله : (أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ) (٥) ، أي أمره. ويبعد أن يكون ضمير الساعة ، لأنه مذهوب به مذهب التذكير ، لا يكون إلا في الشعر ، نحو قوله :
ولا أرض أبقل أبقالها
__________________
(١) سورة الأحزاب : ٣٣ / ٧٣.
(٢) سورة التغابن : ٦٤ / ٧.
(٣) سورة يونس : ١٠ / ١٠.
(٤) سورة الزمر : ٣٩ / ٧٤.
(٥) سورة الأنعام : ٦ / ١٥٨.